ذلك وأجابا عن ركوبه (ص) بأنه لو مشي ما وسع أحدا الركوب، وبأنه (ص) أسن فلم يكن من أهل المشي وليظهر للناس فيقتدون به ولهذا طاف على بعيره. ونص كلام صاحب الطراز: ذهب بعض الناس إلى أن الحج أفضل راكبا منه ماشيا، لأن النبي (ص) فعله، هذا غير صحيح لاتفاق الكافة على أن من نذره راكبا وحج ماشيا أنه يجزئه، ولو نذره ماشيا ما وسعه أن يحجه إلا ماشيا إذا كان يطيقه فلو كان راكبا أفضل ما أمر بالمشي بل كان يندب إلى الركوب. وفي البخاري عنه (ص) ما أغبرت قدما عبد في سبيل الله فتمسه النار وقال ابن عباس: وددت أني حججت ماشيا. وفعله الحسن بن علي وجماعة من السلف. أما النبي (ص) ففعل ذلك لوجوه منها: أنه كان يقصد التخفيف على الأمة ولو مشي ما ركب أحد ممن حج معه. ومنها أنه كان يقتدى به في فعله وكان يظهر للناس على بعيره ويلحظونه ولهذا طاف على بعيره وإن كان ذلك ممنوعا لغيره. ومنها أنه لم يكن من أهل المشي فكان فيه في حقه أكبر مشقة. وقد كان النبي (ص) يتنفل جالسا لمشقة القيام فكيف بالمشي انتهى. ونحوه للخمي قال: أرى أن أمشي أفضل لقوله عليه السلام ما أغبرت قدما عبد الحديث. فدخل فيه المشي للحج والمساجد والغزو لأن كل ذلك من سبيل الله، وقد روي عنه عليه السلام إنه خرج لجنازة ماشيا ورجع راكبا. وفي الترمذي عن علي: من السنة أن يخرج للعيدين ماشيا. وقال مالك: يستحب المشي للعيدين وقال فيمن خرج للاستسقاء: يخرج ماشيا متواضعا غير مظهر لزينة. وكل هذه طاعات يستحب للعبد أن يأتي مولاه متذللا ماشيا. وقد رؤي بعض الصالحين بمكة فقيل له: أراكبا جئت؟ قال: ما حق العبد العاصي الهارب بأن يرجع إلى مولاه راكبا ولو أمكنني لجئت على رأسي.
وأما حجة عليه السلام فلأنه قد كان يحب ما خف على أمته وقد كان أسن فكان أكثر صلاته بالليل جالسا انتهى. وقد وردت أحاديث كثيرة في فضل المشي. فروى ابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (ص) كأني أنظر إلى موسى بن عمران منهبطا من ثنية هرشي ماشيا وروى ابن ماجة عن ابن عباس أن الأنبياء صلوات الله عليهم كانوا يدخلون الحرم مشاة حفاة ويطوفون بالبيت ويقضون المناسك حفاة مشاة. ويرى أن آدم عليه السلام حج على رجله سبعين حجة. أخره الأزرقي. وعن ابن عباس أن آدم عليه السلام حج أربعين حجة من الهند على رجليه قيل المجاهد: أفلا كان يركب قال: وأي شئ كان يحمله؟
أخرجه ابن الجوزي وعن مجاهد أن إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام حجا ماشيين رواه البيهقي. وذكر الأزرقي إن ذا القرنين حج ماشيا. وعن ابن عباس: ما آسي على شئ على أني لم أحج ماشيا رواه البيهقي وروي عنه أيضا أنه مرض فجمع أهله وبنيه فقال لهم: يا بني إني سمعت رسول الله (ص) يقول من حج ماشيا من مكة حتى يرجع إليها كتب له بكل خطوة