مواهب الجليل - الحطاب الرعيني - ج ٣ - الصفحة ٥٠٤
بإبطال العمل عند أئمة هذا الشأن وعليه يدل قوله عليه السلام حكاية عن الله تعالى من عمل عملا أشرك معي فيه غيري تركته وشركه. فأما لو كان باعث الدين أقوى فقد حكم المحاسبي بإبطال ذلك العمل متمسكا بالحديث المتقدم وما في معناه، وخالفه الجمهور وقالوا بحصة العمل وهو المفهوم من فروع مالك رضي الله عنه ويستدل على هذا بقوله (ص) إن من خير معاش الناس رجلا ممسكا فرسه في سبيل الله فجعل الجهاد مما يصح أن يتخذ للمعاش. ومن ضرورة ذلك أن يكون مقصودا لكن لما كان باعث الدين الأقوى كان ذلك الغرض ملغى فيكون معفوا عنه كما إذا توضأ قاصدا رفع الحدث والتبرد، فأما لو انفرد باعث الدين بالعمل ثم عرض باعث الدنيا في أثناء العمل فأولى بالصحة. انتهى كلامه رحمه الله انتهى كلام ابن معلى والقرطبي.
الذي ذكره هو الإمام المحدث أبو العباس أحمد بن عمر بن إبراهيم مات سنة ست وخمسين وستمائة، والقرطبي المتقدم صاحب التفسير هو العلامة أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرج مات سنة إحدى وسبعين وسبعمائة والله أعلم.
وللقرافي في قواعده كلام يخالف ما ذكره ابن معلى رأيت أن أذكره بكماله كما ذكرت الأول لتتم الفائدة ويحيط النظار بها علما ونصه: الفرق الثاني والعشرون والمائة بين قاعدة الرياء في العبادة وبين قاعدة التشريك فيها. اعلم أن الرياء شرك وتشريك مع الله تعالى في طاعته وهو موجب للمعصية والاثم والبطلان في تلك العبادات كما نص عليه المحاسبي وغيره، ويعضده ما في الحديث الصحيح خرج مسلم وغيره أن الله تعالى يقول أنا أغنى الشركاء عن الشرك فمن عمل عملا أشرك فيه غيري تركته له أو تركته لشريكي فهذا ظاهر في عدم الاعتداد بذلك العمل عند الله تعالى وكذلك قوله تعالى: * (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) * يدل على أن غير المخلص لله تعالى غير مأمور به وما هو غير مأمور لا يجزئ عن المأمور به فلا يعتد بهذه العبادة وهو المطلوب. وتحقيق هذه القاعدة وسرها وضابطها أن يعمل العمل المأمور به المتقرب به إلى الله تعالى ويقصد به وجه الله تعالى وأن يعظمه الناس أو بعضهم فيصل إليه نفعهم أو يندفع به ضررهم، فهذا هو قاعدة أحد مسمي الرياء. والقسم الآخر أن يعمل العمل لا يريد به وجه الله البتة بل الناس فقط ويسمى هذا القسم رياء الاخلاص والأول رياء الشرك. وأغراض الرياء ثلاثة: التعظيم وجلب المصالح ودفع المضار الدنيوية والأخيران يتفرعان على الأول فإنه إذا عظم انجلبت إليه المصالح واندفعت عنه المفاسد فهو الغرض الكلي في الحقيقة، وأما مطلق التشريك كمن يجاهد لتحصيل
(٥٠٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 499 500 501 502 503 504 505 506 507 508 509 ... » »»
الفهرست