القاضي عبد الوهاب في شرح الرسالة: فذكر رحمه الله العلة في الفرق بينهما وهي أن أهل مكة مقيمون فلا يتعذر عليهم الطواف أي وقت أرادوه فكان التنفل بالصلاة أفضل لأنها في الأصل أفضل من الطواف، والغرباء بخلاف ذلك لأنهم يرجعون لأوطانهم فلا يتمكنون من الطواف فكان الطواف أفضل لأنه يخاف فواته انتهى. وقال الشيخ يوسف بن عمر: وهذا في الموسم لئلا يزاحموا الغرباء في الطواف والغرباء من ليس بمكة انتهى. وقال ابن ناجي قال الفاكهاني: تعليله بقلة وجود ذلك للغرباء فيه نظر، لأن التنفل بالصلاة أفضل من التنفل بالطواف ولذا كانت الصلاة لأهل مكة أفضل من الطواف، وإذا كان كذلك فينبغي أن لا يفرق بين الغرباء وأهل مكة إذا المحافظة على الأفضل أولى من المحافظة على المفضول لا سيما على القول بمساواة النفل للفرض في الفضل انتهى. فحاصله أن التنفل بالصلاة أفضل من التنفل بالطواف وإن ورد في بعض الأحاديث ما يقتضي خلاف ذلك. وقال به بعض العلماء: كما ذكره المحب الطبري في القربى وغيره ولكن ينبغي للانسان أن يخلي نفسه من الطواف في كل يوم فقد قيل: من الحرمان أن يقيم الانسان بمكة يمضي عليه يوم بلا طواف.
وقد ورد فيه فضل كبير فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله (ص) يقول من طاف بهذا البيت يحصيه كتب له بكل خطوة حسنة ومحيت عنه سيئة ورفعت له درجة وكان له عدل رقبة أخرجه الترمذي وحسنه. ومعنى يحصيه أن يتحفظ فيه لئلا يغلط قاله في شفاء الغرام. وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال النبي (ص) من طاف بالبيت سبعا وصلى خلف المقام ركعتين وشرب من ماء زمزم غفر الله له ذنوبه كلها بالغة ما بلغت. أخرجه أبو سعيد الجندي ذكره في القربى. وفيه أيضا عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله (ص) من طاف بالبيت خمسين مرة خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه أخرجه الترمذي وقال حديث غريب. قال البخاري: وإنما يروى عن ابن عباس والمراد والله أعلم خمسون أسبوعا يدل عليه ما روي عن سعيد بن جبير قال من حج البيت وطاف خمسين أسبوعا كان كما ولدته أمه. وكذا روي وعن ابن عباس ومثله لا يكون إلا موقوفا وجاء الحديث أيضا خمسين أسبوعا مكان مرة وهذه الرواية في معجم الطبراني ومصنف عبد الرزاق ففيها لمن قال إن المراد بالمرة الشوط. قال أهل العلم: وليس المراد أن يأتي بها متوالية بل المراد أن توجد في صحيفة حسناته ولو في عمره كله. وعن ابن عباس أيضا قال: قال رسول الله (ص) ينزل كل يوم وليلة على هذا البيت عشرون ومائة رحمة، ستون منها للطائفين، وأربعون للعاكفين حول البيت، وعشرون للناظرين للبيت وفي رواية ينزل الله على هذا المسجد مسجد مكة كل يوم وقال فيه وأربعون للمصلين ولا مضادة بين الروايتين لجواز أن يريد بمسجد مكة البيت لقوله تعالى * (فول وجهك شطر المسجد الحرام) * ويحتمل أن قسمة الرحمات بينهم وجهين: الأول أن تكون على الرؤوس من غير نظر إلى قلة