إعانة الطالبين - البكري الدمياطي - ج ٢ - الصفحة ١٣٦
عثمان بن مظعون صخرة، وقال: أتعلم بها قبر أخي لأدفن فيه من مات من أهلي. ورش القبر بالماء لئلا ينسفه الريح، ولأنه (ص) فعل ذلك بقبر ابنه إبراهيم. رواه الشافعي، وبقبر سعد رواه ابن ماجة، وأمر به في قبر عثمان بن مظعون رواه الترمذي. وسعد هذا هو ابن معاذ. ويستحب أن يكون الماء طاهرا طهورا باردا، تفاؤلا بأن الله تعالى يبرد مضجعه.
ويكره رشه بماء ورد ونحوه، لأنه إسراف وإضاعة مال. قال الأذرعي: والظاهر كراهة رشه بالنجس، أو تحريمه. اه‍. من شرح الروض. (قوله: للاتباع) هو ما رواه ابن حبان عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: كنا نمشي مع رسول الله (ص) فمررنا على قبرين، فقام، فقمنا معه، فجعل لونه يتغير حتى رعد كم قميصه، فقلنا: مالك يا رسول الله؟ فقال: أما تسمعون ما أسمع؟ فقلنا: وما ذاك يا نبي الله؟ قال: هذان رجلان يعذبان في قبورهما عذابا شديدا في ذنب هين - أي في ظنهما، أو هين عليهما اجتنابه - قلنا: فبم ذاك؟ قال: كان أحدهما لا يتنزه من البول، وكان الآخر يؤذي الناس بلسانه، ويمشي بينهم بالنميمة. فدعا بجريدتين - من جرائد النخل - فجعل في كل قبر واحدة. قلنا يا رسول الله: وهل ينفعهم ذلك؟ قال: نعم يخفف عنهما ما دامتا رطبتين. (قوله: ولأنه إلخ) معطوف على للاتباع. (وقوله: يخفف عنه) أي عن الميت. (وقوله: ببركة تسبيحها) أي الجريدة الخضراء، وفيه أن اليابسة لها تسبيح أيضا، بنص: * (وإن من شئ إلا يسبح بحمده) * فلا معنى لتخصيص ذلك بالخضراء، إلا أن يقال إن تسبيح الخضراء أكمل من تسبيح اليابسة، لما في تلك من نوع حياة. (قوله: وقيس بها) أي بالجريدة الخضراء. (وقوله: ما اعتيد من طرح نحو الريحان الرطب) اندرج تحت نحو كل شئ رطب، كعروق الجزر، وورق الخس واللفت. وفي فتاوى ابن حجر ما نصه: استنبط العلماء من غرس الجريدتين على القبر: غرس الأشجار والرياحين، ولم يبينوا كيفيته. لكن في الصحيح أنه غرس في كل قبر واحدة، فشمل القبر كله، فيحصل المقصود بأي محل منه. نعم، أخرج عبد بن حميد في مسنده أنه (ص) وضع الجريدة على القبر عند رأس الميت. اه‍. وينبغي إبدال ما ذكر - من الجريدة الخضراء، ومن الرياحين - كلما يبس: لتحصل له بركة مزيد تسبيحه، وذكره كما في الحديث. (قوله: ويحرم أخذ شئ منهما) أي من الجريدة الخضراء، ومن نحو الريحان الرطب. وظاهره أنه يحرم ذلك مطلقا، أي على مالكه وغيره. وفي النهاية: ويمتنع على غير مالكه أخذه من على القبر قبل يبسه، فقيد ذلك بغير مالكه. وفصل ابن قاسم بين أن يكون قليلا كخوصة أو خوصتين، فلا يجوز لمالكه أخذه، لتعلق حق الميت به، وأن يكون كثيرا فيجوز له أخذه. (قوله: لما في أخذ الأولى) وهي الجريدة الخضراء. (وقوله: من تفويت حظ الميت) أي منفعته، وهو التخفيف عنه ببركة تسبيحها. (قوله: وفي الثانية) أي ولما في أخذ الثانية. والأولى حذف لفظ في، أو زيادة لفظ أخذ، بعدها، ومراده بالثانية: خصوص الريحان، لان الملائكة إنما ترتاح به فقط، لا الريحان ونحوه: وإن كان ظاهر صنيعه - لما علمت - أن نحو الريحان الرطب صادق بكل شئ رطب. (وقوله: من تفويت حق الميت) بيان المقدرة. (وقوله: بارتياح الملائكة) الباء سببية متعلقة بمحذوف صفة لحق، أي الحق الحاصل للميت بسبب ارتياح الملائكة. ولو أبدل لفظ الارتياح بالارتفاع لكان أنسب بقوله بعد النازلين لذلك، أي للارتياح بالريحان الرطب. ولكن عليه يكون الجار والمجرور متعلقا بتفويت. ثم رأيت في هامش فتح الجواد التصريح بما قررته ، ولفظه:
هل يجوز أخذ الريحان الذي يوضع على كثير من القبور أم لا؟ سئل العلامة تقي الدين عمر بن محمد الفتى - تلميذ المقري رحمهما الله تعالى - فلم ينكره. اه‍. وقال شيخ الاسلام العلامة ابن زياد - نفع الله به - الذي أراه المنع، لما فيه من تفويت حق الميت بارتفاع الملائكة النازلين لذلك. ومثله فيما يظهر من وجد جريدة خضراء على قبر معروف، لتفويت حظ الميت، لما تقرر عن رسول الله (ص) فيه. اه‍. (قوله: وكره بناء له) أي في باطن الأرض. (قوله: أو عليه)
(١٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 131 132 133 134 135 136 137 138 139 140 141 ... » »»
الفهرست