تعاليق مبسوطة - الشيخ محمد إسحاق الفياض - ج ٦ - الصفحة ٢٧٠

____________________
مناسبة الحكم والموضوع الارتكازية، ان التكاليف الإلهية التي بلغها الله تعالى للبشر بواسطة رسوله (صلى الله عليه وآله) لا يمكن عادة أن تكون مختصة بمن آمن بالرسول (صلى الله عليه وآله) الذي هو واسطة في التبليغ والارسال فحسب، بل الظاهر أنها تكاليف عامة لكافة البشر بمختلف الصنوف والطبقات، لأنهم كما يكونون مكلفين بمعرفة الرسول (صلى الله عليه وآله) الذي هو واسطة بين الله تعالى وبين الناس في ابلاغ كافة احكامه تعالى إليهم، كذلك يكونون مكلفين بتلك الأحكام، واحتمال أن معرفة الرسول (صلى الله عليه وآله) شرط في التكليف بها بعيد جدا، وبحاجة إلى دليل، على أساس ان التكاليف الإلهية مجعولة من قبل الله تعالى على طبق المصالح والمفاسد والحكم، ومبلغة بواسطة رسوله (صلى الله عليه وآله) إلى الناس حرفيا، فاحتمال أنها مجعولة من قبل الله تعالى مشروطة بالاسلام بحاجة إلى دليل، ولا دليل عليه، ومقتضى اطلاقات الكتاب والسنة عدم الاشتراط.
نعم، قد استدل على الاشتراط بوجوه عمدتها وجهان..
الأول: بالآيات..
منها: قوله تعالى: (كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم) (1) بتقريب ان الكفار لو كانوا مكلفين بالفروع كالمسلمين لكان تخصيص الخطاب بوجوب الصوم بالمسلمين فحسب لغوا، وبما ان صدوره من الله عز وجل كان مستحيلا فيدل على ان الكفار غير مكلفين بها.
والجواب أولا: ان الآية الشريفة انما هي في مقام تطمين المسلمين ورفع الاستثقال والاستيحاش عنهم ببيان ان وجوب الصوم ليس مقصورا عليكم، بل هو ثابت في حق الأمم السابقة أيضا، هذا إضافة إلى أن فيه خيرا لكم، وهو تقوى الله التي هي خير زاد لمن آمن بالله ورسوله، وهذه النكتة هي التي تستدعي تقييد هذا الخطاب بالمسلمين، لا اختصاصه بهم في الواقع، فاذن لا يدل هذا التقييد على الاختصاص.

(1) البقرة آية: 183.
(٢٧٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 265 266 267 268 269 270 271 272 273 274 276 ... » »»