قربة إلى الله تعالى، وقد ارتفع حدثه وصح صومه بلا خلاف، فقد تم الواجب من دون نية الوجوب التي تمسك الخصم بأنه لا يتم به الواجب إلا به، وقد أريناه أنه يتم الواجب من دونه وبغيره، ولولا أن معرفة القديم سبحانه لا طريق لنا إليها إلا بالنظر في الأدلة لما وجب علينا ولا تعين، ولو كان لنا طريق سواه لما وجب تعيين أو تحتم فإن قيل: أ ليس الأمر بمجرده عندكم في عرف الشرع يقتضي الوجوب دون الندب والفور دون التراخي؟
قلنا: بلى فقد قال سبحانه: وإن كنتم جنبا فاطهروا، وهذا أمر للجنب، بالتطهير متى كان جنبا بغير خلاف، فغسل الجنابة واجب بهذا الأمر، قلنا: هذه الآية الثانية التي هي معطوفة على الآية الأولة وهي قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين، فأمرنا أن نكون غاسلين ماسحين إذا أردنا القيام إلى الصلاة، وقبل دخول وقت الصلاة لا يجب علينا القيام إليها ولا الغسل لها، فلما عرفنا سبحانه حكم الطهارة الصغرى عطف عليها حكم الطهارة الكبرى وهي غسل الجنابة. وهو إذا أردنا القيام إلى الصلاة بعد دخول وقتها يجب علينا الاغتسال وهذا مذهبنا بعينه.
فإن قال: هما جملتان لكل واحدة حكم نفسها، قلنا: صحيح أنهما جملتان، إلا أن الجملة الثانية معطوفة على الجملة الأولى بواو العطف بلا خلاف عند أهل اللسان والمحصلين لهذا الشأن، والمعطوف عندهم له حكم المعطوف عليه ويتنزل منزلته ويشاركه في أحكامه بغير خلاف لأن واو العطف عندهم تنوب وتقوم مقام الفعل فاستغنوا بها عن تكرره اختصارا للكلام وإيجازا وبلاغة.
فإن ظن ظان وتوهم متوهم أن السيد المرتضى رضي الله عنه قد ذكر في ذريعته في فصل: هل الأمر يقتضي المرة الواحدة أو التكرار؟ فقال: كلام السيد يدل على أن غسل الجنابة واجب في سائر الأوقات.
قلنا: معاذ الله أن يذهب السيد إلى ما توهمه عليه لأن هذا قول من لا يفهم ما وقف عليه وإنما السيد أورد متمسك الخصم بأن قال الخصم: أنا أريك أن الأمر يقتضي بمجرده المرات دون