فلابد من بطلان أدلة القائلين بالوجوب التعييني. وقد استدلوا على ذلك (أولا) بالآية الكريمة: يا أيها الذين امنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم ان كنتم تعلمون (1). بتقريب ان اختصاص يوم الجمعة بالذكر يدل على أن النداء انما هو لصلاة الجمعة، فحينئذ تدل الآية الكريمة على أنه متى نودي لصلاة الجمعة يجب السعي إليها، فان الامر ظاهر في الوجوب ولا سيما في الآيات القرانية كما في الحدائق، ولم نعرف وجها للاختصاص وهذا معنى الوجوب. والجواب عن هذا يظهر بأدنى تأمل: (أولا) ان الآية الكريمة علق فيها وجوب السعي على تقدير تحقق النداء فلا تدل على وجوب صلاة الجمعة مطلقا بل تدل على وجوبها مشروطا بتحقق النداء ويحتاج اثبات وجوب النداء إلى دليل. أقول: الأحسن ان يقال: انه لو كان النداء دخيلا في وجوب صلاة الجمعة فالآية لا تدل على وجوب العقد، بل غاية انها تدل على وجوب صلاة الجمعة عند النداء، فيحتاج وجوب النداء إلى دليل. ولا فرق في ذلك بين ان يكون المراد من النداء هو الأذان عموما أو الأذان لخصوص صلاة الجمعة. ولو كان النداء غير دخيل في ذلك فيكون ما ذكر في الآية عنوانا طريقيا كفائيا لما هو شرط للوجوب، فيحتمل ان يكون ذو الطريق إرادة من له الإقامة، أي إذا أراد من له الإقامة إقامة الصلاة فاسعوا. فتكون الآية من أدلة المنصبية، ويحتمل أن تكون ذو الطريق إرادة الإقامة مطلقا. فالآية حينئذ لا تدل على الوجوب عند عدم الإرادة. نعم قد يقال بل قيل: ان ذا الطريق دخول الوقت، ولكنه قول بلا شاهد بعد الاحتمالات السابقة.
(١٠٩)