إيقاظ: وقد تبين لك مما قدمناه أن الحق في الآية الكريمة هو الترتيب بمعنى أنه بعد العجز عن البدنة تقوم ثمنها على البر، ويطعم الطعام فإن عجز عن إطعام الطعام صام عن كل مدين يوما.
فإن لم يتمكن عن البدنة ولكن كان قادرا على أن يعطي الدراهم لمن يشتري الطعام فهل يصدق عليه أنه عاجز أم لا ؟ اختار الأستاذ حفظه الله أنه لا يكون عاجزا بل عليه إعطاء الدراهم لاشتراء الطعام والاعطاء لكل مسكين حقه، وهل عليه شراء البر أم لا يكون مقيدا به كساير الكفارات؟ فعن بعض عدم وجوب شرائه بل له هنا ما عليه في ساير الكفارات، وعن بعض التقييد به.
وعن الأستاذ حفظه الله: إن قلنا إنه مصداق لما يطعم فلا بأس بإعطاء غيره، وإن قلنا إنه فيه خصوصية لا يمكن القول بصحة مطلق الطعام لتعدد المطلوب.
هذا مما لا ريب فيه ولا إشكال. وإنما الكلام في أن ملاك العجز الذي تكلمنا حوله هل هو مقيد بأعم من مكة وغيرها أم هو مختص بمكة ظاهر صاحب الجواهر الثاني لقوله: ولو فقد العاجز عن البدنة مثلا البر وقلنا بتعينه دون قيمته فأقوى الاحتمالات عند الفاضل وضع قيمة عادلة عند ثقة ليشتريه إذا وجده إذا أراد الرجوع، وإلا أبقاها عنده مترقبا لوجوده.
قال المحقق صاحب الشرايع: (ولو عجز صام من كل مدين يوما) وفاقا للمشهور، ولكن عن الصدوق والعماني:
(فإن عجز صام ثمانية عشر يوما) ومستند القولين الأخبار. إلا أن المشهور لم يأخذوا بإطلاق الروايات الآمرة بصوم ثمانية عشر يوما بعد العجز عن إطعام ستين مسكينا بل قيدوها بالعجز عن صوم ستين يوما لتعدد رواياتها وصحتها ووضوح دلالتها، ولأجل ذلك لا يحتاج إلى ذلك التأويلات، ولكن عن صاحب العروة وعليه صيام ثمانية عشر يوما عند العجز عن البدنة.
وعن الأستاذ حفظه الله: ما رأيت قط ما اختاره صاحب العروة في كلام المتقدمين. وبعد العجز عن البدنة يتصدق بثمنها، نعم في الصدقة خلاف ذهب البعض إلى وجوب التصدق بثمنها وإن لم يتمكن فعليه إطعام ستين مسكينا ونتيجة ذلك: إن نقص القيمة عن إطعام الستين فعليه إكماله.
(فرع) قد ظهر من مطاوي ما قدمناه لك وجوب صوم ستين يوما عن كل مدين أو مد على خلافهم لما سمعته من خبر الزهري (1) وصحيح أبي عبيدة (2) وصحيح زرارة ومحمد بن مسلم (3) إن ساواهما، فإن زاد لم يجب غير الستين كما لم يجب عليه إكماله إن نقص بل يصوم بمقدار ما يساوي الأمداد.
فإن صام شهرا بعد أن كان عليه وجوب صوم ستين يوما وعجز عن الصوم بعد ذلك فهل عليه صيام ثمانية عشر يوما أم لا؟ فعن الأستاذ حفظه الله: لم يجب عليه بعد ذلك صيام ثمانية عشر يوما لأن عجزه كاشف عن أنه تعالى لم يكن كلفه إلا ببدل الشهرين - وهو ثمانية عشر يوما - ولا يدخل بهذا في عموم الأخبار والفتوى بتسعة عن شهر لأنها فيمن