أو إجراء براءة ذمته عن الأكثر للأصل لتقدم المدين على المد بالتعارض ولمطابقته لفتوى المشهور لا للاحتياط، بل وعدم قياس مطلق الكفارات مع ما هنا لأن روايات باب الكفارات لا مساس لها بالباب، بل روايات باب كفارة النعامة مخصوصة بها.
وأما عدم وجوب الزائد ولا إكمال الناقص: فعن الخلاف الاجماع على الأول.
وعن صاحب الجواهر: فلا خلاف أجده فيه، مضافا إلى ما سمعته من النصوص الدالة على الحكمين التي لا ينافيها إطلاق غيرهما من النصوص في إطعام الستين بعد تنزيله على ذلك لقوله عليه السلام: (أتدري كيف يكون عدل ذلك صياما يا زهري) وإن قرأناه بالكسر فيصير مساويا للمقدار، وإن قرأناه بالفتح فيصير مساويا للحكم.
وأما قوله تعالى (أو عدل ذلك) وقد اختلف الأصحاب في أن مقتضى كلمة (أو) هل هو التخيير من أول الأمر كما كان الأمر كذلك في غيرها كخصال الكفارات، أم هو الترتيب خلافا لمقتضى كلمة (أو).
وعن بعض مخالفينا التخيير، لكن أصحابنا اختاروا الترتيب للروايات الواردة في الباب التي قيد الإمام عليه السلام الحكم فيها بالعجز فإذا كان كذلك فالروايات حاكم ومفسر لاجمال الكتاب، فيتعين الترتيب، خلافا لمقتضى ما هو في الكتاب، وهو التخيير هذا، وإن كان المصرح في الروايات هو الصوم ولكن لا يجب عليه إطعام أكثر من ستين ولو زادت الأمداد على ستين مسكينا لصحيح محمد بن مسلم وزرارة (1) ومرسل جميل (2) ولذا لا يجب الزائد ولا إكمال الناقص.
بقي شئ في البين وإن لم يتعرض به الماتن ولكن تعرضه صاحب الجواهر، وهو تعيين المراد من حكم العدلين الوارد في قوله تعالى (يحكم به ذوا عدل منكم) وعن بعض اعتبار الشاهدين العدلين، بمعنى أنهما يعينان المثلية في الجزاء إن لم يكن متعينا وأما في فرض التعين لا يحتاج إلى تعيينهما، وإذا كان كذلك ينافي اعتبار الحكم، وأما إن قلنا بعدم اعتبار التعدد في الحكم كما في الكافي والعياشي عن الباقر والصادق عليهما السلام (والعدل رسول الله صلى الله عليه وآله والإمام من بعده ، ثم قال: هذا مما أخطأت به الكتاب) فالآية تكون دليلا على أن المراد من (ذوا عدل) النبي صلى الله عليه وآله والإمام من بعده لأن الألف في (ذوا عدل) من تصرف نساخ القرآن خطأ والصواب عدم نسخها، وذلك إن قلنا بلزوم ثبوت الألف فيه فيفيد أن الحاكم لا بد وأن يكون اثنين، والحال أنه واحد وهو الرسول صلى الله عليه وآله في زمانه ثم كل إمام في زمانه على سبيل البدل، هذا مما اختاره الأستاذ حفظه الله.
ولكن عن صاحب الجواهر: ذهب المفسرون إلى غير ذلك، وهو اعتبار التعدد في الحكم، ومن هنا قال الطبرسي عليه الرحمة في جوامع الجامع والمقداد في آيات الأحكام: (يحكم به رجلان عدلان فقيهان) خلافا لما اختاره الفقهاء عليهم رضوان الله من أن اعتبار التعدد ينافي الحكم، هذا كله إن كان المثل معينا، وأما إن لم يكن معينا فإن شهدا على تعيينه فهو، وإلا أي وإن لم يكن في البين شاهد فحينئذ يرجع الاختلاف تارة إلى القيمة وأخرى إلى العين، فالأول مجرى البراءة خلافا للثاني لعدم إمكان إجراء البراءة فيه بل هنا يلزم مراعاة الاحتياط وإعطاء الأكثر.