فالاحتياط يقتضي حمله على البر، وإن كانت الرواية ضعيفة سندا ولا يكون قابلا للاعتماد عليها، ومؤيد ما قلناه من حمل الطعام أو الاطعام عليه، أو انصراف الطعام إلى البر المتيقن من كل ما يسمى طعاما وعلى كل حال هو المتيقن هنا، وإن كان في الاجتزاء بغيره مما يجزي في الكفارات لا بأس به، ومما يؤيد ما ذكرناه قوله عليه السلام: (ثم قومت الدراهم طعاما لكل مسكين نصف صاع) أي عليك إتيان البر لكل مسكين مدان.
وأما قوله عليه السلام (يطعم لكل مسكين مدا) فلا دلالة فيها على وجوب الاعطاء بل ظاهر في الاطعام، وكيف كان فالموجود في أكثر النصوص الواردة في الباب هو (الاطعام) أو (يطعم) إلا أن الموجود في رواية الزهري عن الإمام السجاد عليه السلام هو البر، وتلك مطلقات لا يمكن تقييدها بغيرها على مذاق سيدنا الأستاذ حفظه الله، فإذن رواية البر في نهاية القوة وإن كان في ما يسمى طعاما كفاية أيضا كما في ساير الكفارات ولا فرق في ذلك بين الاطعام والاعطاء، لصحيح أبي عبيدة (1) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إذا أصاب المحرم الصيد ولم يجد ما يكفر من موضعه الذي أصاب فيه الصيد قوم جزاءه من النعم دراهم، ثم قومت الدراهم طعاما، ثم جعل لكل مسكين نصف صاع، فإن لم يقدر على الطعام صام لكل نصف صاع يوما) الذي هو ظاهر في الاعطاء انتهى كلامه حفظه الله.
بقي هنا شئ، وهو تعيين مقدار ما يكفر لكل مسكين وهل هو مدان أو مد؟ وقد اختلفت الروايات في الباب.
والموجود في بعضها كفاية نصف صاع لكل مسكين كخبري الزهري (2) وأبي عبيدة (3) السابقين، إلا أن غيرهما من النصوص بين مطلق - كصحيح زرارة ومحمد بن مسلم (4) عن أبي عبد الله عليه السلام في محرم قتل نعامة قال: (عليه بدنة، فإن لم يجد فإطعام ستين مسكينا، فإن كانت قيمة البدنة أكثر من إطعام ستين مسكينا لم يزد على إطعام ستين مسكينا، وإن كانت قيمة البدنة أقل من إطعام ستين مسكينا لم يكن عليه إلا قيمة البدنة) - وبين مقيد بالمد، كخبر أبي بصير (5) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (سألته عن محرم أصاب نعامة أو حمار وحش قال: عليه بدنة قلت: فإن لم يقدر على بدنة قال: فليطعم ستين مسكينا قلت: فإن لم يقدر على أن يتصدق قال: فليصم ثمانية عشر يوما، والصدقة مد على كل مسكين، قال: وسألته عن محرم أصاب بقرة قال: عليه بقرة قلت: فإن لم يقدر على بقرة قال: فليطعم ثلاثين مسكينا قلت: فإن لم يقدر على أن يتصدق قال: فليصم تسعة أيام قلت: فإن أصاب ظبيا، قال: عليه شاة، قلت: فإن لم يقدر، قال: فاطعام عشرة مسكين، فإن لم يقدر على ما يتصدق به فعليه صيام ثلاثة أيام.
نعم خبر علي بن جعفر (6) عن أخيه موسى عليه السلام قال: (سألته عن رجل محرم أصاب نعامة ما عليه؟ قال عليه بدنة فإن لم يجد فليتصدق على ستين مسكينا، فإن لم يجد فليصم ثمانية عشر يوما) ضعيف، كما أن خبر داود الرقي