ويمكن تقريب البحث على نهج آخر: وهو أن المحلل للاحرام، إما أن يأتي المناسك، أو أنه صد عن الموقفين إذ إن لم يصد عنهما لا بد وأن يأتي بباقي الأفعال فإذن يرجع البحث أيضا إلى تمامية الأفعال وعدمها.
ولو صد عن الذبح خاصة ولم يمكنه إيداع الثمن فيمن يذبحه فهل يصدق عليه اسم المصدود حتى يحكم له بالتحلل أم لا بد له أن يأتي بالبدل وهو صيام عشرة أيام؟
وقد اختار سيدنا الأستاذ ما ذهب إليه كشف اللثام، وهو إن صد من السعي والطواف بعد إدراك الموقفين وأعمال منى يستنيب.
وخلاصة الكلام ولو صد عن مكة خاصة بعد الاتيان بأفعال منى فإن أتى بالطواف والسعي في تمام ذي الحجة ولو بالاستنابة كما صرح به في الروضة صح حجه، وإلا ففي المبسوط والسرائر والقواعد والتذكرة والتحرير والمنتهى والدروس وحواشي الكركي وظاهر التبصرة والتلخيص على ما حكي عن بعضها بقي على إحرامه بالنسبة للنساء والطيب والصيد.
وما ذهب إليه المشهور - أي تحقق الصد - وجواز التحلل لاطلاق قوله تعالى: فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي (1) الذي لا يمكن تقييده بأن الصد يتحقق إن لم يمكنه الاستنابة.
وما ذهب إلى بقاء الاحرام عليه قال لأن المحلل للاحرام إما الهدي للمصدود أو المحصور، أو الاتيان بأفعال يوم النحر والطوافين والسعي، فإذا شرع في الثاني وأتى بمناسك يوم النحر تعين عليه الاكمال، لعدم جواز التحلل بالهدي حينئذ، فيبقى على إحرامه إلى أن يأتي بباقي المناسك.
وخيرته حفظه الله ما اختاره المشهور، وهو تحقق الصد وجواز التحلل ووجوب القضاء عليه في القابل.
هذا كله لو صد عن الطواف والسعي الذي يحكم له بالتحليل، ولو صد عن طواف النساء خاصة هل يجوز له الاحلال أم لا بد أن يأتي ولو بالاستنابة؟
وقد أفاد الأستاذ دام ظله في ضمن البحث وقال: إن قلنا أنه جزء من أفعال الحج فبالصد يتحلل بالهدي ولا يمكن أن يرد وقال إن الصد عن طواف النساء إنما يتحقق بالصد عنه إلى فوات وقته، لأنا قلنا إن المصدود لا يجب عليه الصبر حتى يفوت عنه وقته، بل له التحلل بالهدي ولو بأن له التمكن من قبل.
وإن قلنا إنه يباح جواز الوطي لم يصدق عليه اسم المصدود لأن طواف النساء في الفرض الأخير لا يكون جزء الحج حتى بعد المنع عنه يتحقق الصد، ولهذا الفرع ثمرة عملية كما ذكرها بعض الأساطين:
وهي إن قلنا أنه جزء الحج فللنائب إتيانه للمنوب عنه وأما إن قلنا أنه يباح جواز الوطي فيأتي النائب بنفسه.
بقي شئ: وهو إن منع من المبيت بمنى فهل للممنوع القضاء في القابل أو الاستنابة به أو الفداء عن كل ليلة شاة.
وعن المشهور الأخير، بل عن صريح الخلاف والغنية وغيرهما، وظاهر المنتهى وغيره الاجماع عليه.
وإن كان المصدود معتمرا بعمرة التمتع يتحقق صده بمنعه عن دخول مكة، أو بمنعه بعد الدخول في مكة عن الطواف والسعي فله التحلل بالهدي في مكانه.