حتى دخل الحرم وجب عليه إرساله فإن لم يفعل ومات في يده حتى بعد الاحلال فعليه فداؤه، هذا كله إن قلنا إن مقتضى التعبد بالنصوص إيجاب الضمان عليه حتى بعد الاحلال، وأما إن لم نقل به فالحكم مختص بالحرم والمحرم. ولأجل ذلك يكفي في عدم الضمان عليه إن مات في يده بعد الاحلال عدم الدليل. وأما الاجماع الذي ادعاه صاحب الجواهر:
وفيه اختلاف المجمعين أيضا، لذهاب أكثرهم إلى عدم الضمان عليه إن مات في يده بعد الاحلال، هذا كله بعد الاغماض عن صراحة الدليل على عدم وجوب الضمان عليه.
ثم إن قلنا بعدم وجود الدليل في البين لاثبات ذلك الحكم فلا يمكن التمسك بالاستصحاب أيضا. وهل يمكن التمسك بالبراءة كما اختاره صاحب الجواهر وذهب إليه أم لا؟ وأجاب سيدنا الأستاذ حفظه الله: بأن ما اختاره مشكل لوجود الاستصحاب في البين وإثبات الضمان عليه به قبل الاحلال، وبعد الاحلال نشك في بقائه وارتفاعه فنستصحب بقاء الضمان عليه. نعم إن قيل إن الاستصحاب جريانه متوقف على العلم ببقاء موضوعه سابقا والشك في بقائه لاحقا، وأما إذا لم يدر ثبوت موضوعه في البين فلا يمكن اجراؤه وإثبات الحكم على الموضوع وهو جار في ما نحن فيه. لأن استصحاب وجوب الارسال عليه بعد الاحلال لا يمكن لتبدل موضوعه وهو الاحلال بعد الاحرام. قلنا هذا صحيح إن قلنا ببقاء موضوعه بالدليل: لأن موضوعه تارة عقلي. وأخرى من ناحية الدليل. وثالثة عرفي، وفي الأول لا يمكن إجراؤه لتبدل موضوعه بالشك. وهكذا في الثاني. ولكن يمكن إجراؤه في الثالث كالحاضر والمسافر إذ بعد أن صار حاضرا فعليه إن شك في بقاء موضوعه عليه وعدمه أن يستصحب أحكام الحاضر ويعمل، وما نحن فيه كذلك إذ عنه الشك في وجوب الارسال عليه وعدمه يجب عليه استصحاب وجوب الارسال لوجوبه قبل الاحلال ولو لم يجب عليه الارسال من ناحية الدليل لتبدل موضوعه.
ولو أرسله ثم اصطاده لم يضمن قطعا: وعن الأستاذ حفظه الله: إن أحل أو حين الاحرام أرسله واصطاد ثانيا فهو مملوكه بلا شك ولا ريب، إنما الاشكال والكلام في أنه إن قلنا بخروج الصيد عن ملك المحرم بعد الاحرام فهل يتوقف عود الملكية إليه على اصطياده ثانيا أو أخذه من يد مرسل أو يكتفي بنية التمسك ثانيا والحق عند الأستاذ هو الأخير لاحتياج الملكية إلى السبب لعدم عود الملكية إليه بعد الاحلال، وسبب الملكية تارة تكون شرعيا كالإرث وأخرى يكون معامليا، وعن الشهيد يتوقف عود الملكية باصطياده أو أخذه من مرسل أو بكفاية نية التمسك ثانيا، ولو أرسل من يده مرسل فلا ضمان عليه. وهل يصدق عليه عنوان الآية الكريمة وهو (حرم عليكم) أم لا؟ اختار البعض العدم لأنه نهي عن المنكر وكأنما هو عامل من طرف الشارع، خلافا لأبي حنيفة، وعن الأستاذ حفظه الله: توضيح ذلك: تارة يأخذ مال الغصب ليدفعه إلى صاحبه فهو في هذا الحال يكون محسنا ولا يكون عليه ضمانه إن أتلفه في يده بمقتضى الآية الكريمة : (ولا على المحسنين من سبيل) وأخرى يأخذ من غاصب ليدفع إلى غاصب آخر وإليه يمكن إرجاع مخالفة أبي حنيفة، فعليه فكما يحرم وضع إليه على الصيد للمحرم يحرم للمرسل أيضا، لعدم الفرق بين الارسال والامساك، ولو قلنا بأنهما واجبان ولكن لا يكون على المرسل واجبا إرساله بل على الممسك واجب إرساله ولو لم يكن عليه عقاب وهذا كأكل الخبز الغصبي في حال الاضطرار، لأن في هذا الحال ولو لم