بداية الحكمة - السيد محمد حسين الطباطبائي - الصفحة ١٩
وذهب قوم من المشائين إلى كون الوجود حقائق متباينة بتمام ذواتها (1)، أما كونه حقائق متباينة، فلاختلاف آثارها، وأما كونها متباينة بتمام الذوات، فلبساطتها. وعلى هذا يكون مفهوم الوجود المحمول عليها عرضيا خارجا عنها (2) لازما لها.
والحق أنه حقيقة واحدة مشككة، أما كونه حقيقة واحدة، فلأنه لو لم يكن كذلك، لكان حقائق مختلفة متباينة بتمام الذوات، ولازمه كون مفهوم الوجود - وهو مفهوم واحد كما تقدم (3) - منتزعا من مصاديق متباينة بما هي متباينة، وهو محال، بيان الاستحالة: أن المفهوم والمصداق واحد ذاتا، وإنما الفارق كون الوجود ذهنيا أو خارجيا، فلو انتزع الواحد بما هو واحد من الكثير بما هو كثير، كان الواحد بما هو واحد كثيرا بما هو كثير، وهو محال.
وأيضا، لو انتزع المفهوم الواحد بما هو واحد من المصاديق الكثيرة بما هي كثيرة، فإن اعتبر (4) في صدقه خصوصية هذا المصداق لم يصدق على ذلك المصداق، وإن اعتبر فيه خصوصية ذاك لم يصدق على هذا، وإن اعتبر فيه الخصوصيتان معا لم يصدق على شئ منهما (5)، وإن لم يعتبر شئ من الخصوصيتين - بل انتزع من القدر المشترك بينهما - لم يكن منتزعا من الكثير بما هو كثير، بل بما هو واحد، كالكلي المنتزع من الجهة المشتركة بين الأفراد الصادق على الجميع، هذا خلف.
وأما أن حقيقته مشككة، فلما يظهر من الكمالات الحقيقية المختلفة التي هي صفات متفاضلة غير خارجة (6) من الحقيقة الواحدة، كالشدة والضعف، والتقدم

(1) كما في شرح المنظومة: 24.
(2) إذ لو كان داخلا، كان جزءا وينافي ذلك البساطة - منه (رحمه الله) -.
(3) في الفصل الثاني من هذه المرحلة.
(4) في المطبوع: " فإما أن تعتبر " وما أثبتناه أولى منه كما لا يخفى.
(5) أي وإن اعتبر فيه الخصوصيتان معا فلم يصدق على أحدهما بعينه.
(6) إذ لو كانت خارجة من حقيقة الوجود كانت باطلة، لانحصار الأصالة في الوجود - منه (رحمه الله) -.
(١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 ... » »»