بداية الحكمة - السيد محمد حسين الطباطبائي - الصفحة ١٨
القوابل المختلفة من الأجسام الكثيفة، كذلك الوجود حقيقة واحدة ذات مراتب مختلفة متمايزة بالشدة والضعف، والتقدم والتأخر، وغير ذلك، فيرجع ما به الامتياز فيها إلى ما به الاشتراك، وما به الاختلاف إلى ما به الاتحاد، فليست خصوصية شئ من المراتب جزءا مقوما للوجود، لبساطته - كما سيجئ (1) -، ولا أمرا خارجا عنه، لأن أصالة الوجود تبطل ما هو غيره الخارج عنه، بل الخصوصية في كل مرتبة مقومة لنفس المرتبة (2) - بمعنى ما ليس بخارج منها -.
ولها (3) كثرة طولية باعتبار المراتب المختلفة الآخذة من أضعف المراتب، وهي التي لا فعلية لها إلا عدم الفعلية، وهي المادة الأولى الواقعة في أفق العدم، ثم تتصاعد (4) المراتب إلى أن تنتهي إلى المرتبة الواجبة لذاتها، وهي التي لا حد لها إلا عدم الحد. ولها (5) كثرة عرضية باعتبار تخصصها بالماهيات المختلفة التي هي مثار الكثرة.

(1) في الفصل السابع من هذه المرحلة.
(2) أي ولا تكون تلك الخصوصية عارضة. فالتقدم للوجود المتقدم ليس جزءا مقوما للوجود وإلا لتركب والوجود بسيط، ولا عارضا وإلا لكان جائز التأخر ولزم الانقلاب وهو محال.
(3) أي لحقيقة الوجود.
(4) توضيحه: أنا إذا اعتبرنا مراتب هذه الحقيقة آخذة من أضعف المراتب، كانت المرتبة الثانية التي فوقها أشد منها وأقوى، وكانت الثالثة التي فوق الثانية أشد مما تحتها وأقوى، وهكذا حتى تنتهي إلى المرتبة العليا التي فوق الجميع.
ثم إذا أخذنا بعض المراتب المتوسطة وقسناها إلى ما فوقها، كانت التي فوقها مشتملة على ما فيها من الكمال وزيادة، بخلاف التي تحتها، فإذن التي تحتها محدودة بالنسبة إلى ما فوقها فاقدة لتمام كمالها، ثم إذا قسنا التي فوق إلى التي فوقها كانت أيضا محدودة بالنسبة إلى ما فوقها.
وعلى هذا القياس، حتى تنتهي إلى المرتبة التي هي فوق الجميع، فما دونها محدودة بالنسبة إليها، وهي مطلقة غير محدودة بحد عدمي، وإن شئت فقل: " حدها أنه لا حد لها ".
وأما المرتبة التي تحت الجميع، ففيها كل حد عدمي، وليس لها من الكمال إلا أنها تقبل الكمال، وهي الهيولى الأولى - منه رحمه الله.
(5) أي لحقيقة الوجود.
(١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 ... » »»