بداية الحكمة - السيد محمد حسين الطباطبائي - الصفحة ١٧
ويظهر مما تقدم: ضعف قول آخر في المسألة منسوب إلى المحقق الدواني (1)، وهو أصالة الوجود في الواجب (تعالى) وأصالة الماهية في الممكنات، وعليه فاطلاق الموجود على الواجب بمعنى: أنه نفس الوجود، وعلى الماهيات بمعنى:
أنها منتسبة إلى الوجود، ك‍ " اللابن " و " التامر " بمعنى المنتسب إلى اللبن والتمر، هذا. وأما على المذهب المختار فالوجود موجود بذاته، والماهية موجودة بالعرض (2).
الفصل الخامس في أن الوجود حقيقة واحدة مشككة اختلف القائلون بأصالة الوجود، فذهب بعضهم إلى أن الوجود حقيقة واحدة مشككة، وهو المنسوب إلى الفهلويين (3) من حكماء الفرس (4)، فالوجود عندهم، لكونه ظاهرا بذاته مظهرا لغيره من الماهيات، كالنور الحسي الذي هو ظاهر بذاته مظهر لغيره من الأجسام الكثيفة للأبصار.
فكما أن النور الحسي نوع واحد، حقيقته أنه ظاهر بذاته مظهر لغيره، وهذا المعنى متحقق في جميع مراتب الأشعة والأظلة على كثرتها واختلافها، فالنور الشديد شديد في نوريته التي يشارك فيها النور الضعيف، والنور الضعيف ضعيف في نوريته التي يشارك فيها النور الشديد، فليست شدة الشديد منه جزءا مقوما للنورية حتى يخرج الضعيف منه، ولا عرضا خارجا عن الحقيقة، وليس ضعف الضعيف قادحا في نوريته، ولا أنه مركب من النور والظلمة لكونها (5) أمرا عدميا، بل شدة الشديد في أصل النورية، وكذا ضعف الضعيف، فللنور عرض عريض باعتبار مراتبه المختلفة بالشدة والضعف، ولكل مرتبة عرض عريض باعتبار

(1) نسب إليه في شرح المنظومة: 25.
(2) أي بعرض الوجود عليها.
(3) الفهلوي معرب " پهلوي " في الفارسية.
(4) نسب إليهم في الأسفار 1: 432 - 433، وشرح المنظومة: 22 - 23 و 43 - 44.
(5) أي الظلمة.
(١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 ... » »»