بداية الحكمة - السيد محمد حسين الطباطبائي - الصفحة ١٥
ثم ننتزع من كل من هذه الأمور المشهودة لنا - في عين أنه واحد في الخارج - مفهومين اثنين، كل منهما غير الآخر مفهوما وإن اتحدا مصداقا، وهما الوجود والماهية، كالإنسان الذي في الخارج، المنتزع عنه أنه انسان وأنه موجود.
وقد اختلف الحكماء في الأصيل منهما، فذهب المشاؤون إلى أصالة الوجود (1)، ونسب إلى الإشراقيين القول بأصالة الماهية (2).
وأما القول بأصالتهما معا، فلم يذهب إليه أحد منهم، لاستلزام ذلك كون كل شئ شيئين اثنين، وهو خلاف الضرورة.
والحق ما ذهب إليه المشاؤون، من أصالة الوجود.
والبرهان عليه: أن الماهية من حيث هي ليست إلا هي، متساوية النسبة إلى الوجود والعدم، فلو لم يكن خروجها من حد الاستواء إلى مستوى الوجود - بحيث تترتب عليها الآثار - بواسطة الوجود، كان ذلك منها إنقلابا، وهو محال بالضرورة، فالوجود هو المخرج لها عن حد الاستواء، فهو الأصيل.
وما قيل: " إن الماهية بنسبة مكتسبة من الجاعل تخرج من حد الاستواء إلى مرحلة الأصالة، فتترتب عليها الآثار " (3)، مندفع بأنها إن تفاوتت حالها بعد الانتساب، فما به التفاوت هو الوجود الأصيل وإن سمي نسبة إلى الجاعل، وإن لم تتفاوت ومع ذلك حمل عليها أنها موجودة وترتبت عليها الآثار، كان من الانقلاب (4) - كما تقدم (5) -.

(1) ومنهم بهمنيار في التحصيل: 284، والسيد الداماد في القبسات: 38. وتبعهم صدر المتألهين في الأسفار 1: 49، والحكيم السبزواري في شرح المنظومة: 10.
وقيل في وجه تسميتهم بالمشائين: " انما لقبوا بهذا الاسم لأنهم كانوا يمشون في ركاب أرسطو كذا ".
(2) نسب إليهم في شرح المنظومة: 10 - 11.
(3) والقائل المحقق الدواني على ما في شرح المنظومة: 25.
(4) هكذا أجاب عنه صدر المتألهين في الأسفار 1: 73 - 74.
(5) تقدم قبل أسطر.
(١٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 9 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 ... » »»