مفتاح الغيب - أبي المعالي القونوي - الصفحة ١٣٧
أنوارك - أنعاما منك عليه بشفاعة المرتبة والنسب المجهول القديم - وقد قبلها برابطة رقيقتك المتصلة به التي هي سبب حياته، فيغدو وشاطحا (1) بها عليك، مستبعدا من استعدادك قبول ذلك أو بعضه من الحق بواسطته لكماله في زعمه ونقصك.
ويستحقر بالنزر عن عطاياك له عظيم ما تحوى عليه خزائن ملكك ويد قدرتك، لفرط بعدك عنه في عليا مجدك - مع غاية قربك -.
يستكثر في حقك اليسير من قليل ما خولته ورشحت به من نوالك ومنحته، تبكى له وقتا شفقة عليه باطنا، وهو يسخر منك ويستهزئ بك ظاهرا، تسعى في نجاح مقاصده ومحا به فيما بينك وبين ربك ويتخذك عدوا ولا يشعر، وتسوق إليه حتفه في وقت من حيث لا يحتسب أو تحول بينه وبين مراده، فلا يدرى - وقد يشكر - يؤمن بك وهما ويودك، ويكفر بك عينا ووجودا فيبغضك ويسبك، فأنت واجب عنده من حيث الحكاية والوهم، ومستحيل من حيث المشاهدة والحكم، ينازعك بك لك، وهو يزعم أنه قد انتصر عليك، وينصر نفسه بك من حيث كينونته في دائرتك، فيظن انه قد جاء بالنصر إليك، وانه قد أعان ونصر وتفضل وجاد وما قصر، وأنت في كل هذا ثابت مكين وخازن امين، قد تدرعت بدرع الستر والتقوى وتسربلت بسربال الأدب والحياء، متحققا بربك متنزها عن التقيد بوصفه أو وصفك، راسخ القدم في مقام التمكين، متبع ربه في شؤونه بالتنوع والتلوين، لا طلب ولا قصد ولا اخذ ولا رد ولا غيبة ولا حضور ولا حزن ولا سرور، تبكى على المحجوب مرة وتضحك أخرى، وتتنزه عن الامرين بل عن كل متقابلين بحكم منزلتك الكبرى.
وتستحضر أيضا قوله صلى الله عليه وآله: ليس شخص اصبر على اذى من الله، فتراك مظهر هذا الشخص العلى السليم، كما أنه ليس شخص أتم لذة منك لما تشهده في حضرة ربك من عز سلطان مقامك الكريم.

(1) - أي: مسيئا للأدب.
(١٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 132 133 134 135 136 137 138 139 140 141 142 ... » »»
الفهرست