مفتاح الغيب - أبي المعالي القونوي - الصفحة ١٣٩
درجات الأكملية وجاوز مقام الكمال من حيث تعينه، حجبه الحق بذاته عن خلقه وقام عنه بسائر وظائفه ولوازمه، وانضاف إلى الحق سبحانه ما كان من قبل ينضاف إلى من شأنه ما ذكر من العلم والعمل وغيرهما من الأوصاف والآثار، ويستقر هو في غيب الذات لا يدرك له اثر ولا يعرف له عين ولا خبر يدرك تجلى ربه في مرآتيته، فيظن ان قد رأى، ويشهد الآثار تصدر ظاهرا من حيث الصورة التي كانت تضاف إليه من قبل، فيظن انها هو، فيحسب ان قد درى، وانى لمن احتجب في الغيب بالعين ان يدركه كون؟
ومن العلامات المشار إليها انك تعلم الشئ وكأنك ما علمته وتسمع به، وكأنك ما سمعته وتكونه، وكأنك لست هو وتراه، وكأنك ما رأيته، كما قال الترجمان:
كثر العيان على حتى أنه * * صار اليقين من العيان توهما وقال الترجمان الاخر في المعنى وان لم يتحقق بما ذكر:
أنكرتهم نفسي وما ذلك الانكار الا لشدة العرفان تملك الشئ وكأنك محتاج إلى تحصيله، وتحكم عليه يد قدرتك وكأنك طالب له فقير إليه. ومما يوجب ذلك سر جمعيتك ووحدته وعدم ثبات ما ينطبع في مرآتك من حيث إن الأشياء طائفة حول حقيقتك التي هي مركز دائرتها، فحقيقتك كمرآة كرية مستديرة على رق محيط منشور دائر مستدبر، مشتمل على سائر النقوش، ونسبة الأشياء إليها نسبة نقط محيط الدائرة إلى النقطة التي منها انتشت، فكل منها تحاذيك نفسا واحدا.
ويمر عنك في النفس الثاني من زمان المحاذاة والمسامتة، فما يلحق نقطة نسبة أو حقيقة ما من حقائق الكون ان يقف في مقام المسامتة والمحاذاة منك ومن مرتبتك الا وقد تلتها نقطة أخرى بحال غير الأولى، وهكذا على الدوام، ولولا أن كل شئ فيه كل شئ - مع سريانك بالذات في الصور والعوالم والمراتب جميعها وحيطتك واستشرافك أيضا كما ذكر من قبل -
(١٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 134 135 136 137 138 139 140 141 142 143 144 » »»
الفهرست