أن يتخلقوا بأخلاقه، فيكونون رحمانيين ورحماء، وإلا فليس حريا أن ينسبوا إليه مع تجافيهم وتباعدهم عن الرفق والرحمة.
والرحمانيون من النمط الأول تجلت وتجسدت بهم الرحمة المطلوبة في حياتهم الرسالية بكل وضوح، وهم الأنبياء والأوصياء والصلحاء، والآيات في ذلك كثيرة، إذ إنهم مأمورون بمكارم الأخلاق.
الآية الرابعة: (هجرا جميلا) ﴿واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميلا﴾ (1).
الهجر الجميل: أن لا تتعرض لخصمك بشئ، وإن تعرض لك تجاهلت (2).
أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم في هذه الآية المباركة بالصبر - الذي منه كظم الغيض - على ما يسمعه من الأقوال البذيئة التي لا تليق ومقام النبوة الشامخ، صبرا لا عتاب فيه على أحد، ولا اعتزاز بالشخصية، أو دفاع عن الذات، بل تركهم إلى الله سبحانه، مع الهجر الجميل الذي لا يترك في نفوسهم شيئا من وخز الضمير ما داموا لم يقابلوا بالمثل، بل بالهجر الجميل الذي لم يترك في نفوسهم اشمئزازا من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولم يزرع فيهم ما يحول بينهم وبينه صلى الله عليه وآله وسلم مستقبلا فلا يقبلوا عليه ولا يسمعوا هديه، بل كان هجرا جميلا لم يقطع خيوط المودة ولم يهدم جسور التواصل التي تمر من خلالها رسالة السماء التي تنشد لأولئك التكامل وسعادة الدارين.