المقدمة عندما اختفت شمس الهداية خلف غيوم الحضارة المادية، وحرم الانسان من دفئها وسناها الباعث روح الحياة في هذه النفوس، قست القلوب وغادرت الرحمة أفق هذا الزمن وضعف الوجدان عن أداء دوره، وغفا الضمير على نغمات عصره، فلم يعد للرفق واللطف وما إلى ذلك من مفردات معنوية وجود فعلي ودور عملي على ساحة الواقع المادي.
نعم لم يبق منها لانسان القرن العشرين إلا العناوين التي قد كبرت، والشعارات التي قد تكثرت، وقد استفاد من هذه وتلك قساة الصهاينة والشيوعيون وكل الطغاة والمستكبرين، فأسسوا الجمعيات والأحزاب تحت تلك الشعارات وتلك العناوين لتحقيق أهدافهم الاستعلائية ونواياهم التسلطية، ومارسوا الغلظة بدل اللطف، والقسوة مكان الرأفة والشدة عوض الرفق.. وحرموا الانسان من حرية الفكرة وحرية الإرادة وحرية الاختيار، تحت شعارات تحمل هذه العناوين لفظا لكنها خالية من المضمون واقعا.
إن رقي الأمم إنما هو بمقدار ما تمتلكه من قيم أخلاقية تتفاضل من خلالها، وتتنافس مع غيرها من أجل الحفاظ عليها وديمومتها منهجا للأجيال. ومن هنا أدرك الكثير من الأمم التي أوجدت لمجتمعاتها معايير مادية أخطار تلك المعايير في تفتيت وحدة المجتمع التي تضعها روح الإخاء بين أفراده، فأوصدت أبواب الألفة والتعايش على مائدة القيم