والموضوعية في واقعها - أسست بناء مهذبا للنفوس يقوم على هذه الحقيقة المتينة في حكمتها، اللطيفة في رقتها، الرحيمة في هدفيتها فقالت: ﴿فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم﴾ (1) أي اصبر على الأذى، واكظم الغيظ الذي تبتلى به، واحلم عمن أساء إليك، وتعامل مع مصدر اتعابك وشانئيك تعامل الرؤوف الرحيم العطوف الكريم برفق ولطف يمس قلوبهم القاسية فيحولها من قسوتها وجفوتها عليك إلى تعاطفها وتجاذبها إليك، ومن غفوتها ونومتها التي هي عليها، إلى اليقظة والصحوة التي أنت فيها. فهي تأمرنا باعتماد منهجية الرفق مع أعداءنا إلى الحد الذي يجلي الفرد الواحد منا أمام أعداء دعوته (كأنه ولي حميم) فيستقطب مجامع قلوبهم إليه حتى تصير اذان صاغية لهديه وارشاده فيستنقذها من ضلالها وجهالتها إلى الهدى والنور الذي هو عليه والدين والفكر الذي يدعو إليه.
ثم أن الدفع بالتي هي أحسن والتحلي بالرفق قبال الذي بينك وبينه عداوة حتى تبدو له كأنك ولي حميم، ليست قضية تخص البعد التبليغي فحسب دون المجالات الحياتية الأخرى، سياسية أو اجتماعية أو سلوكية عامة. فكل هذه المساحات وغيرها هي ليست في غنى عن هذا المبدأ الأخلاقي القويم الذي يبلور الشخصية الرصينة في حركتها الفردية والاجتماعية، ويكشف عن سماحتها وعلو همتها وعظم قدرها.
وكم صدقت هذه القاعدة على حالات كانت في منتهى التوتر، وشيكة أن تقود إلى سفك دماء كثيرة بغير حق، فإذا الهياج ينقلب إلى سكون، ويعود الزمام المنفلت إلى محله، ذلك حين قوبل الغضب المجنون