ولا يسمعونه ما يثقل عليه من كلمات تجرح شعوره مما هي فيه وهو أهلها ويستحقها لغروره وتبلد ذهنه إذ وضع نفسه الوضيعة في غير موضعها، بل راح يتعالى عليهم بمخاطبتهم. وهذا يعني: أن الجاهل يبلغ به عجبه بنفسه وعلمه بأن يرى الآخرين - وإن كانوا علماء - هم دونه في المستوى، وعند ذلك تسمح له تصوراته المغرورة هذه في تنصيب نفسه خطيبا عليهم، له أن يتكلم وعليهم أن يسمعوا.
نعم، فإذا كانت هذه حقيقة ماثلة في أغلب النفوس، وهي كذلك، فلماذا لا يرفق العالم بالجاهل، والأعلم بالمتعلم، ويقول له: سلاما، في المواضع التي يتطاول فيها الجاهل، ويترك للزمن إقناعه، وللمراحل التي يلزم طيها حتى يبلغ الفهم ويبلغ التواضع للحقيقة التي يراد له الوصول إلى فهمها وبلوغها؟
الرحمانيون:
فمن لم يتلطف ويرأف بهذه النفوس المريضة بداء الجهل والغرور، ولم يداوها بدواء الرفق والسماحة فليس هو بالحكيم الذي يضع الأمور في محلها، كما هو ليس أهلا بأن ينسب إلى الرحمن بالعبودية ﴿وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما﴾ (1) والملاحظ في هذه الآية الكريمة أنها أتت باسم وصفة الرحمن في هذا المجال، هذا يعني أن المنسوبين إلى الله (الرحمن) بالعبودية يجب