على هذا الضوء، يتعامل الإسلام مع جميع الجهود التي تبذل على طريق تحقيق البركات المادية بوصفها عبادة إذا انطلقت من دوافع صحيحة وسارت باتجاه بناء الإنسان، وأنها تساهم في ظهور البركات المادية والمعنوية بعضا إلى جوار بعض.
دور نظام التكوين في تكامل الإنسان إن التأمل في ما جاء في القسمين الأول والثاني من هذه المجموعة تحت عنوان " أسباب الخير " و " أسباب البركة "، يشير إلى أن خالق الوجود قد أودع في نظام التكوين جميع إمكانات التكامل المادي والمعنوي ومتطلبات هما من الداخل والخارج؛ من أجل تكامل الإنسان، وأنه قد أسبغ عليه نعمه ظاهرة وباطنة.
على أن ما يتداعى من الآية الكريمة: (ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السموات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة) (1)، أن الإنسان وهب من الداخل (الباطن) العقل والفطرة والقوى الباطنية، وزود من الخارج بالوحي الذي جاء معينا للعقل والفطرة، وأن نظام التكوين سخر للإنسان ما في السماء والأرض لكي يقطع المسار الذي حددته " الفطرة " و " العقل " و " الوحي " له، وليستفيد من بركات ذلك كله، ويوظفه لتحقيق تكامله وبلوغ مقصد الإنسانية والكمال المطلق ولقاء الله جل جلاله.
يتضح مما مر أن جميع القيم الاعتقادية والأخلاقية والعملية، وكل ما هو مسخر للإنسان في الأرض والسماء، ينطوي على " الخير " و " البركة ". وإذا ما جاء في النصوص الإسلامية ما يصف عددا من ضروب الأخلاق والأعمال الصالحة بأنها خير، وإذا ما سجلت تلك النصوص بأن بعض الأمكنة والأزمنة والحيوانات