البلاد والقرى، لا يقدرون على أن يبيتوا فيها ليلة بل وساعة، ويتأذون لبعدهم عن الوطن الأصلي، وفراقهم الأحباء والمسانخين، مع التئامهم بالأضداد، وتلك المصيبة من أعظم المصيبات، والعذاب هذا من أشد ما يعذب به الله - تعالى - خلقه، كما نحن الآن واقعون فيه، فإن الوالد المأنوس بالأخيار وأصحاب الكمال والأسرار، قد ابتلي في بورسا ببعض رجال الدولة الترك والإيرانيين، ويعيشون معه في الليل والنهار، ويصبر على ذلك. جزاه الله تعالى خير الجزاء.
فبالجملة: بعد ما عرفت تلك المقدمة نجد معنى آخر له، فإنه (صلى الله عليه وآله وسلم) بذاته ووجوده من عالم القدس والأسماء وهو ابتلي بتلك النشأة، ولما كان أعظم خلق الله علقة به - تعالى -، وأشدهم أنسا به - تبارك وتقدس -، فهو أعظمهم في المصيبة، وهو أبلاهم بالايذاء، فيقول مثلا: ما أوذي نبي مثل ما أوذيت (1).
ويحتمل أن يراد من الحديث المعروف: من ترك أكل اللحم أربعين يوما فليؤذن في أذنه (2) أن ذلك لأجل صيرورته بعد تلك الرياضة كيوم ولدته أمه، فيؤذن في أذنه.