دون أن يفتش الرسول عما في قلبه. ولما استولت البطون على منصب الخلافة تحول هذا المال إلى سلاح جبار بيدها فتوغلت إلى ضمائر الأفراد ونفوسهم فصار من واجب المسلم أن يثبت ولاءه لها وأن يثبت نفوره من أعدائها، وعلى رأسهم أهل بيت النبوة ومن يتشيع لهم أو يتعاطف مع قضيتهم، وأن يلتزم ببرنامجهما ومنها جهما التربوي والتعليمي، فإن فعل ذلك يأخذ رزقه وعطاءه ويأخذ نصيبه من المغانم والمكاسب. وإن لم يفعل ذلك فلا رزق له ولا عطاء ولا نصيب، ويوضع في قائمة المشبوهين الذين يريدون تفريق الجماعة وشق عصا الطاعة، ومن الطامعين بغصب الأمر من الأمة وإيقاظ الفتنة من نومتها، وجزاؤهم على المستوى الاقتصادي أن يموتوا جوعا " وحرمانا "، وعلى المستوى الديني أن يموتوا ميتة جاهلية. وقد تعجل دولة البطون بمنية بعضهم فتقتله إذا أو جست منه خطرا " كما قتلت سعد بن عبادة، والحسن بن علي وحجر بن عدي، وعمرو بن الحمق وهم من أجلاء الصحابة وغيرهم!
في هذا المناخ، وبهذه الطرق، رعت دولة البطون منهاجها التربوي والتعليمي وغرسته في النفوس خلال مدة تزيد على مئة عام! وماتت الأجيال التي عرفت الحقيقة وشهدت عصر التحول الأعظم، وجاءت أجيال جديدة، فوجدت كل شئ جاهزا " ومكتوبا "، ووجدت كامل المنهاج فتقبلتها بقبول حسن، واعتبرتها ثمرة إجماع الأكثرية الساحقة من الأمة، واعتبرتها عين الدين الذي جاء به محمد رسول الله! فصار تمسكها بالمنهاج التربوي والتعليمي لدولة البطون رمزا " لتمسكها بالدين! ولو عرفت بطلان هذا المنهاج، وظروف فرضه وأيلولته إليهم لما تمسكت به، ولكنها تجهل كل ذلك. ومن هنا تعاملت مع هذا المنهاج وثمراته تعاملها مع حقائق دينية لا تقبل التبديل أو التغيير أو المناقشة! أو على أنها عبادات لا تعلل!
وبمعنى آخر، إن دولة البطون فرضت منهاجها التربوي والتعليمي بقوة الدولة وإمكانياتها الهائلة، ووثقت هذا المنهاج بالأسلوب نفسه. وبعد موت الذين شهدوا حالة التحول الكبرى جاءت الأجيال اللاحقة واعتبرت هذا المنهاج ثمرة رضى الأغلبية الساحقة من الأمة وإجماعها فتمسكت بوصفه الحق المبين والدين الذي جاء به سيد المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم. واقتصر دور أهل القرون اللاحقة على تمجيد