الإلهية والوضعية على السواء. فعندما تسلم رسول الله قيادة دولة الإيمان عاشت المعارضة أسعد أيامها. فعبد الله بن أبي، زعيم المنافقين، يعلن نواياه بكل حرية وصراحة، فيقول: (لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل)، وهو يقصد نفسه بكلمة الأعز، ويقصد رسول الله بكلمة الأذل! فماذا فعل به الرسول، وبماذا عاقبة؟ لقد اقتصر رد فعل الرسول على توبيخ ابن أبي ورهطه من دون الإشارة إليهم بأسمائهم حتى لا يحرجهم ولا يغلق أمامهم درب الرجوع إلى الصواب، إنما توعد المنافقين إن مضوا في غيهم، ووبختهم على سوء نواياها! هذا نموذج لتعامل نظام حكم النبوة مع المعارضة الموسومة إلهيا " بالنفاق!
في صلح الحديبية، وبتوجيه إلهي، خطوة بعد خطوة، عقد النبي صلحا " مع بطون قريش بعد مقاومة وقطيعة وحرب دموية دامت 21 عاما "، وحقق الرسول بهذا الصلح كل ما حارب من أجله، وما كان يطمع بتحقيقه، وكان الصلح كما وصفه الله تعالى فتحا " مبينا "، إلا أن هذا الفتح المبين لم يرق لعمر بن الخطاب، واعتبره (دنية في الدين) واستعمل جميع الأساليب لتخريب الصلح وإلغاء المعاهدة ولكن جهوده باءت بالفشل، وأتم الله كلماته. ولما عجز عمر عن تحقيق ما أراد، صرح علنا " وعلى مسمع من الرسول بأنه لو وجد شيعة تناصره لما (أعطى الدنية في دينه)!، ولألغى بالقوة الصلح الذي أمر الله رسوله بتوقيعه وإبرامه! وهذا عمر نفسه الذي كلفه الرسول بأن ينقل رسالة شفهية إلى بطون قريش، قبل الصلح، فاعتذر وقال للرسول: إني أخشى قريشا " على نفسي وليس لي فيها من يحميني! ماذا فعل الرسول للمعارض الذي توعد باستعمال القوة وبماذا عاقبة؟ لقد قال له الرسول:
(إني عبد الله ورسوله ولن يضيعني). ولما توالت حملاته الكلامية ذكره الرسول بفرار المسلمين يوم معركة أحد، ولم يقل له: أنت فررت في ذلك اليوم. علما " أنه فر وحاول أن يرتب الأمور مع عبد الله بن أبي ليتوسط له عند أبي سفيان حتى لا يقتله! هذا كل ما فعله الرسول مع المعارضة الموسومة بوسم الإسلام (1).