بل كانوا من الذين جعلوا لأنفسهم حق النقد والمعارضة حتى ولو خالفوا بذلك أحكام الله ورسوله.
ومما يدلنا على المعارضة الصريحة، أنهم رغم ما شاهدوه من غضب رسول الله ومن عقد اللواء له بيده الشريفة والأمر لهم بالإسراع والتعجيل، تثاقلوا وتباطأوا، ولم يذهبوا حتى توفي بأبي هو وأمي وفي قلبه حسرة على أمته المنكوبة التي سوف تنقلب على أعقابها وتهوى في النار ولا ينجو منها إلا القليل الذي شبهه رسول الله بهمل النعم.
وإذا أردنا أن نتمعن في هذه القضية فإننا سنجد الخليفة الثاني من أبرز عناصرها إذ أنه هو الذي جاء بعد وفاة رسول الله إلى الخليفة أبي بكر وطلب منه أن يعزل أسامة ويبدله بغيره فقال له أبو بكر: ثكلتك أمك يا ابن الخطاب!
أتأمرني أن أعزله وقد ولاه رسول الله (1).
فأين هو عمر من هذه الحقيقة التي أدركها أبو بكر، أم أن في الأمر سرا آخر خفي عن المؤرخين، أم أنهم هم الذين أسروه حفاظا على كرامته كما هي عادتهم وكما أبدلوا عبارة (يهجر) بلفظ (غلبه الوجع).
عجبي من هؤلاء الصحابة الذين أغضبوه يوم الخميس واتهموه بالهجر والهذيان وقالوا حسبنا كتاب الله، وكتاب الله يقول لهم في محكم آياته:
(قل إن كنتم تحبون الله، فاتبعوني يحببكم الله) (2).
وكأنهم هم أعلم بكتاب الله وأحكامه من الذي أنزل عليه وها هم بعد يومين فقط من تلك الرزية المؤلمة وقبل يومين فقط من لحوقه بالرفيق الأعلى يغضبونه أكثر فيطعنون في تأميره ولا يطيعون أمره، وإذا كان في الرزية الأولى مريضا طريح الفراش، فقد اضطر في الثانية أن يخرج معصب الرأس مدثرا بقطيفة يتهادى بين رجلين ورجلاه تخطان في الأرض وخطب فيهم خطبة كاملة من