بسطاء العقول فضلا عن العلماء، وقد حاولت مرارا وتكرارا التماس بعض الأعذار لعمر ولكن واقع الحادثة يأبى علي ذلك، وحتى لو أبدلت كلمة يهجر (والعياذ الله) بلفظة (غلبه الوجع) فسوف لن نجد مبررا لقول عمر:
(عندكم القرآن) (وحسبنا كتاب الله)، أو كان هو أعلم بالقرآن من رسول الله الذي أنزل عليه، أم أن رسول الله لا يعي ما يقول (حاشاه) أم أنه أراد بأمره ذلك أن يبعث فيهم الاختلاف والفرقة! (أستغفر الله).
ثم لو كان تعليل أهل السنة صحيحا، فلم يكن ذلك ليخفى على الرسول ولا يجهل حسن نية عمر، ولشكره رسول الله على ذلك وقربه بدلا من أن يغضب عليه ويقول أخرجوا عني.
وهل لي أن أتسأل لماذا امتثلوا أمره عندما طردهم من الحجرة النبوية، ولم يقولوا بأنه يهجر؟ ألأنهم نجحوا بمخططهم في منع الرسول من الكتابة، فلا داعي بعد ذلك لبقائهم، والدليل أنهم أكثروا اللغط والاختلاف بحضرته صلى الله عليه وآله، وانقسموا إلى حزبين منهم من يقول: قربوا إلى رسول الله يكتب لكم ذلك الكتاب ومنهم من يقول ما قال عمر أي إنه (يهجر).
والأمر لم يعد بتلك البساطة يتعلق بشخص عمر وحده ولو كان كذلك لأسكته رسول الله وأقنعه بأنه لا ينطق عن الهوى ولا يمكن أن يغلب عليه الوجع في هداية الأمة وعدم ضلالتها ولكن الأمر استفحل واستشرى ووجد له أنصارا كأنهم متفقون مسبقا، ولذلك أكثروا اللغط والاختلاف ونسوا أو تناسوا قول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون) (1).
وفي هذه الحادثة تعدوا حدود رفع الأصوات والجهر بالقول إلى رميه صلى الله عليه وآله بالهجر والهذيان (والعياذ بالله) ثم أكثروا اللغط والاختلاف وصارت معركة كلامية بحضرته.