من لهجتهم، كان أحدهم ورث مسكنا من جده الذي توفي منذ سنوات وباع ذلك المسكن إلى شخص ثان كان هو الآخر حاضرا، وبعد سنة من تاريخ البيع جاء أخوان، وأثبتا أنهما وارثان شرعيان للميت، وجلس أربعتهم أمام السيد وأخرج كل واحد منهم أوراقه وما عنده من حجج وبعد ما قرأ السيد كل أوراقهم وتحدث معهم بضع دقائق حكم بينهم بالعدل، فأعطى الشاري حقه في التصرف بالمسكن وطلب من البائع أن يدفع للأخوين نصيبهما من الثمن المقبوض، وقام الجميع يقبلون يده، ويتعانقون، ودهشت لهذا ولم أصدق، وسألت أبا شبر، هل انتهت القضية؟ قال: (خلاص كل أخذ حقه)، سبحان الله! بهذه السهولة، وبهذا الوقت الوجيز، بضع دقائق فقط كافية لحسم النزاع؟ إن مثل هذه القضية في بلادنا تستغرق عشر سنوات على أقل تقدير ويموت بعضهم، ويواصل أولاده بعده تتبع القضية ويصرفون رسوم المحكمة والمحامين ما يكلفهم في أغلب الأحيان ثمن المسكن نفسه، ومن المحكمة الابتدائية إلى محكمة الاستئناف ثم إلى التعقيب وفي النهاية يكون الجميع غير راضين بعد ما يكونون قد أنهكوا بالتعب والمصاريف والرشوة، والعداوة والبغضاء بين عشائرهم وذويهم، أجابني أبو شبر، وعندنا أيضا نفس الشئ أو أكثر فقلت: كيف؟ قال: إذا رفع الناس شكواهم إلى المحاكم الحكومية، فيكون مثل ما حكيت أما إذا كانوا يقلدون المرجع الديني ويلتزمون بالأحكام الإسلامية، فلا يرفعون قضاياهم إلا إليه فيفصلها في بضع دقائق كما رأيت، ومن أحسن من الله حكما لقوم يعقلون؟
والسيد الصدر لم يأخذ منهم فلسا واحدا، ولو ذهبوا إلى المحاكم الرسمية لتعرت رؤوسهم.
ضحكت لهذا التعبير الذي هو سار عندنا أيضا وقلت: سبحان الله! أنا لا زلت مكذبا ما رأيت، ولولا ما شاهدته بعيني ما كنت لأصدق أبدا، فقال أبو شبر: لا تكذب يا أخي فهذه بسيطة بالنسبة إلى غيرها من القضايا التي هي أشد تعقيدا وفيها دماء، ومع ذلك يحكم فيها المراجع ويفصلونها في سويعات، فقلت متعجبا: إذا عندكم في العراق حكومتان، حكومة الدولة وحكومة رجال الدين، فقال: كلا عندنا حكومة الدولة فقط، ولكن المسلمين من الشيعة الذين