تحولنا إلى النجف وهي تبعد عن الكوفة حوالي عشرة كيلو مترات وما أن وصلنا حتى تذكرت مسجد الكاظمية في بغداد فبدت المآذن الذهبية تحيط بقبة من الذهب الخالص ودخلنا إلى حرم الإمام بعد قراءة الإذن بالدخول كما هي عادة الزوار من الشيعة، ورأيت هنا أعجب مما رأيت هناك في جامع موسى الكاظم، وكالعادة وقفت أقرأ الفاتحة وأنا أشك في أن هذا القبر يحوي جثمان الإمام علي، وكأني اقتنعت ببساطة ذلك البيت الذي كان يسكنه في الكوفة وقلت في نفسي حاشى للإمام علي أن يرضى بهذه الزخرفة من الذهب والفضة بينما يموت المسلمون جوعا في شتى بقاع الدنيا، وخصوصا لما رأيت فقراء في الطريق يمدون أيديهم للمارة طلبا للصدقة فكان لسان حالي يقول: أيها الشيعة أنتم مخطئون، اعترفوا على الأقل بهذا الخطأ فالإمام علي هو الذي بعثه رسول الله لتسوية القبور، فيما لهذه القبور المشيدة بالذهب والفضة إنها وإن لم تكن شركا بالله فهي على الأقل خطأ فادح لا يغفره الإسلام.
وسألني صديقي وهو يمد إلي قطعة من الطين اليابس هل أريد أن أصلي، وأجبته في حدة: نحن لا نصلي حول القبور! قال: إذا انتظرني قليلا حتى أصلي ركعتين، وفي انتظاره كنت أقرأ اللوحة المعلقة على الضريح وأنظر إلى داخله من خلال القضبان الذهبية المنقوشة وإذا به ملئ بالأوراق النقدية من كل الألوان من الدرهم والريال إلى الدينار والليرة وكلها يلقيها الزوار تبركا للمساهمة في المشاريع الخيرية التابعة للمقام وظننت لكثرتها أن لها شهورا، ولكن صديقي أعلمني في ما بعد أن المسؤولين عن تنظيف المقام يأخذون كل ذلك في كل ليلة بعد صلاة العشاء.
خرجت وراءه مدهوشا وكأنني تمنيت أن يعطوني منها نصيبا أو يوزعوها على الفقراء والمساكين وما أكثرهم هناك.
كنت ألتفت في كل اتجاه داخل السور الكبير المحيط بالمقام حيث يصلي جماعات من الناس هنا وهناك وينصت آخرون إلى بعض الخطباء الذين اعتلوا منبرا وكأني سمعت نواح بعضهم في صوت متهدج.