خرجت من غرقة النوم وصعدت إلى سطح الباخرة أتنفس الهواء الجديد، وأنا أفكر تفكيرا جديدا وعقلي شارد في البحر الذي ملأ الآفاق، وأسبح بحمد ربي الذي خلق الأكوان وأحمده، وأشكره على أن أوصلني إلى هذا المكان وأسأله سبحانه وتعالى أن يحميني من الشر وأهله ويحفظني من الزلل والخطأ، وسرح تفكيري وأنا أستعرض شريطا أمام عيني للأحداث التي عشتها والسعادة التي تذوقتها من طفولتي إلى ذلك اليوم وأحلم بمستقبل أفضل، وأشعر كأن الله ورسوله يحيطانني بعناية خاصة، فالتفت صوب مصر التي ما زالت بعض شواطئها تتراءى من حين لآخر مودعا تلك الأرض التي فيها قبلت قميص رسول الله صلى الله عليه وآله وهي أعز ما بقي عندي من تلك الذكريات التي عشتها في مصر، وعدت أستعرض كلام الشيعي الجديد الذي أدخل علي فرحا كبيرا لتحقيق حلم كان يراودني منذ صغري ألا وهو زيارة العراق، تلك البلاد التي رسمها في ذهني بلاط الرشيد والمأمون مؤسس دار الحكمة التي كان يقصدها طلاب العلوم المختلفة من الغرب أيام ازدهار الحضارة الإسلامية، أضف إلى ذلك فهي بلاد القطب الرباني والشيخ الصمداني سيدي عبد القادر الجيلاني الذي ملأ صيته الأقطار كلها ودخلت طريقته كل قرية وعلت همته كل همة فها هي عناية جديدة من الله لتحقيق هذا الحلم، وبدأت أتخيل وأسبح في بحر الخيال والآمال حتى نبهني مذياع الباخرة وهو ينادي المسافرين إلى التوجه للمطعم لتناول العشاء، ذهبت صوب المكان المذكور فإذا الناس يتزاحمون كعادتهم في كل تجمع وكل واحد يريد الدخول قبل غيره وكثر الصياح والهرج، وإذا بالشيعي يمسك بثوبي ليسحبني بلطف إلى الخلف وهو يقول: تعالى يا أخي لا تتعب نفسك فسوف نأكل فيما بعد بدون زحمة وقد فتشت عنك في كل مكان، ثم سألني: هل صليت؟ قلت: لم أصل بعد، فقال: إذا تعالى نصلي ثم نأتي للأكل وقد خلص هؤلاء من الزحام والصياح.
استحسنت رأيه وصاحبته إلى مكان خال من الناس حيث توضأت وقدمته ليصلي إماما قصد اختباره كيف يصلي على أن أعيد صلاتي فيما بعد، وما إن أقام الصلاة لأداء فريضة المغرب واسترسل في القراءة والدعاء حتى غيرت رأيي، وتخيلت بأني مأموم بأحد الصحابة الكرام الذين أقرأ عنهم وعن ورعهم