عرضها السماوات والأرض يعتصرها ألم من ناحية أخرى. سوف تترك الزهراء (ع) الزواج العطوف وحيدا بعدها، وفراخا لم تنبت أجنحتهم بعد وزهورا لم تتفتح. إنهم أفلاذ كبدها... ستغادرهم وتتركهم لهذه الحياة التي تحمل الكثير الكثير من المأسي خصوصا لهؤلاء، إنهم آل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أكثر الناس بلاء وأعظمهم امتحانا.. وإن بعض شذاذ الآفاق ونبذة الكتاب يتربصون بهم.. ستودعهم وهي تنظر إلى ذلك المستقبل غير المجهول لأبنائها وزوجها.. إنها تنظر بعين أبيها الباصرة بإذن الله إلى الغيب حيث يضرب علي بالسيف غيلة وهو في محرابه ويقتل الحسن سما والحسين تمزيقا بسيوف بدأ سلها في وجه أهل البيت (ع) منذ وفاة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم).
كل ذلك يدور في خلد الزهراء وهي تمشي نحو الماء متكئة على الحائط من شدة الضعف لتغسل أطفالها وثيابهم أخر غسلة وهي ترتعش وكأنها تودعهم.. لا أدري عمق شعورها آنذاك، إن من جملة أسمائها (الحانية) لأنها كانت القمة في الحنان والعطف على أبنائها.
دخل الإمام علي (ع) البيت ووجدها على رغم علتها تمارس أعمالها وتخدم في البيت. رق لها قلب الإمام وهي بهذه الحالة فأخبرته بأنه آخر أيامها وأخبرته بما رأته وسمعته من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أثناء نومها وعادت إلى فراشها ثم قالت له:
يا ابن عم!! إنه قد نعيت إلي نفسي وإنني لا أدري ما بي إلا أنني لاحقة بأبي ساعة بعد ساعة وأنا أوصيك بأشياء في قلبي... قال لها علي (ع): أوصني بما أحببت يا بنت رسول الله فجلس عند رأسها وأخرج من كان في البيت، قالت: يا ابن عم! ما عهدتني كاذبة ولا خائنة، ولا خالفتك منذ عاشرتني.. فقال علي (ع) معاذ الله! أنت أعلم بالله وأبر وأتقى وأكرم وأشد خوفا من الله من أن أوبخك بمخالفتي وقد عز علي مفارقتك وفقدك إلا أنه أمر لا بد منه، والله لقد جددت علي مصيبة رسول الله وقد