كانت من أجل وضع ثقافة على مثلها يأتي خليفة قبل الوليد بن يزيد. ولقد روي أن العديد من الشعراء والقصاصين كانوا على علاقة وطيدة بأديرة النصارى.
وعلى أكتاف هؤلاء ظهر شعر المجون الذي زرع ثقافة ظلت تعبر من جيل إلى جيل وتعمل من أجل تكاتف دائرة الرجس مع دائرة النجس.
يقول الدكتور يوسف خليفة. كان ظهور الوليد بن عقبة وصاحبه النصراني في هذا الوقت المبكر. بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم. إرهاصا لموجة اللهو التي كانت في طريقها إلى ديار المسلمين لتغمرها شيئا فشيئا. ولعل أهم شاعر أخذت تغمره هذه الموجة المبكرة هو (الأقيشر الأسدي) وهو أحد المعمرين يرجح صاحب الأغاني أنه ولد في الجاهلية. وقد طال به العمر حتى أدرك خلافة عبد الملك بن مروان ومات فيها (55).
وإذا كان الحديث عن الخمر قد ظهر على استحياء في شعر الوليد بن عقبة حيث قال وهو في طريقه إلى عثمان:
لا تحسبنا فد نسينا الايجاف والنشوات من عتيق أوصاف وعزف قينات علينا عزاف وهو بذلك يحصر المتعة في ألوان ثلاث هي. الرحلة والشراب والسماع.
فإذا كان ذكر الخمر قد ظهر هنا على استحياء فإن (الأقيشر) لم يتورع عن التصريح بشربها في خلاعة واستهتار غير مألوفين في هذا الوقت المبكر من حياة المجتمع الإسلامي. والظاهرة التي تلفت النظر في خمريات (الأقيشر) هي استهتاره بالإسلام واستخفافه، بشعائره (56) أما لماذا اختار هذا الشاعر الإسلام هدفا ليرشق فيه نباله. فإن هذا يرجع إلى الدائرة التي كان يعيش فيها. فالأقيشر كان يتخير ندماءه من أبناء البطارقة النصارى (57) وفي شعره قال:
لا أشربن أبدا راحا مسارقة إلا مع الغر أبناء البطاريق