شخصيات الصحابة في هذا الباب. فهو لم يقتصر فحسب على الاجتهاد. حيث لا نص من كتاب أو سنة. وإنما ذهب إلى مدى أبعد من ذلك. إذ كان يعمد إلى الاجتهاد. أو بعبارة أخرى: (" استعمال الرأي) ليبحث عن وجه العدالة أو المصلحة حتى رغم وجود نص من الكتاب أو السنة. فكان لذلك لا يفسر النص طبقا لحرفيته. وإنما يفسره طبقا لحكمته. أي طبقا لباطنه ولو أدى هذا التفسير إلى عدم تطبيق النص (4) وقد اتسع مفهوم الرأي وذهب في كل واد بعد عصر عمر. وعندما ظهرت المذاهب والأحزاب. كان كل فريق ينظر إلى النصوص بعين مذهبهم (أي أنهم كانوا لا يرجعون إلى نص القرآن أو الحديث. إلا ليلتمسوا فيه ما يؤيد مذهب إمامهم. ولو أدى ذلك إلى سلوك التعسف في التفسير. ومما يذكر عن أحد علماء الحنفية وهو عبد الله الكرخي المتوفى 340 ه أنه قال: (" كل آية أو حديث يخالف ما عليه أصحابنا - يقصد أتباع المذهب - فهو مؤول أو منسوخ) " (46) واتسعت الدائرة بعد ذلك فيقول الدكتور عبد الحميد متولي: إنه مما لا ريب فيه أن الرسول الذي خاطبه الله في كتابه الكريم بقوله:
(وإنك لعلى خلق عظيم) هو خير قدوة للبشرية. ولكن هذا لا يعني أن المسلمين في كل زمان ومكان ملزمون شرعا أو قانونا بالسير على نهجه واتباعه في جميع ما صدر منه من أقوال وأفعال. حقا لقد قال الله: (! لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) ولكن الأسوة أو القدوة كما يقول الإمام ابن حزم مستحبة وليست واجبة. ولو كانت الأسوة أو القدوة واجبة لكان النص: (" لقد كان عليكم) " (47)! وهكذا نشأ الرأي في عصر ما قبل التدوين واستمر بعد التدوين واستقر في أغلب الدول الإسلامية تحت لافتة تقول: (" الإسلام دين الدولة لا مع العلم أن هذا الشعار لا يترتب عليه إلزام الدولة بتطبيق الشريعة. وكما قال البعض. ما هو إلا بمثابة تحية كريمة للعقيدة الدينية التي تدين بها الأغلبية أو بمثابة كفارة تقدمها الدولة لعدم التزامها بأحكام الشريعة الإسلامية في تشريعاتها.