يقومون على حاناتها من فتيان الرهبان ونساء القساوسة وبناتهم. وخاصة في أيام الآحاد والأعياد حيث تتوافد مواكب النصارى في أبهى زينة وأجمل زي. وقد وصف الشعراء هذه الأديرة وما يحيط بها من مظاهر الطبيعة. ووصفوا مجالس الشراب في حاناتها. ودور الضيافة بها. وتغزلوا في راهباتها الجميلات وفي أولئك الفتيان والفتيات. الذين كانوا يقدمون عليها ويقدمون الخمر لروادها.
ووصفوا مواكب النصارى في طريقهم إليها. وما كان يجري فيها من ألوان العبث (61). ولما كانت الأديرة تشرف على الثقافة الجديدة التي تجعل من الإسلام اسما ومن القرآن رسما بل لينتهي الأمر معها في عصر من العصور أن يخجل المسلم من الانتساب إلى الإسلام. كان لا بد لتجار المتع أن يطفحوا بألسنتهم كل ما عندهم في هذا الوقت المبكر. ولهذا فتحت الأديرة أبوابها للقصاصين والشعراء. يقول صاحب حياة الشعر. كان من بين هؤلاء الشعراء جماعة يلازمون هذه الأديرة وكثر شعرهم فيها. ولعل أشهرهم شاعران: الثرواني وبكر بن خارجة. ويذكر الرواة أن الثرواني كان له صديقا من رهبان دير الحريق بالحيرة. يوفر له جميع ألوان العبث ليفرغ الثرواني ما في جوفه من الشعر الذي يشيع فيه الجو النصراني. وقد بالغ الثرواني ووصل التطرف في شعره إلى درجة الرغبة في مشاركة النصارى أعيادهم وصلواتهم وعقائدهم بل إلى الدعوة إليها.
ولا يبالي أن يفتضح أمره بين المسلمين. بل إنه يدعو إلى تعظيم أحبار النصارى ورهبانهم وصلبانهم التي يبدي إعجابه بها. وينادي بأن يكون مستقره في داخل البيع مع الرهبان والقساوسة. ثم يعلنها جريئة متطرفة: أنه لا يقول هذا عبثا.
وإنما هوجاء فيه. أنه ليس كأولئك الخلفاء المنافقين الذين يصطنعون الخلاعة اصطناعا لينالوا من ورائها الشهرة. وهو يريد أن يكون أصحاب الخلاعة على حظ من الشجاعة المعنوية. فإما أن يؤمنوا في نفوسهم بما يفعلونه. وإما أن يتركوا سبيل العبث والخلاعة. ويلزموا سبيل التقوى والصلاح. فيحافظوا على الصلوات وشهود الجمعة وملازمة المساجد. أما هذا النفاق الديني فشئ لا يحبه ولا يرضاه لا لنفسه ولا لهم. ومن شعره في هذا:
عظم الأحبار والرهبان والصلب الملاحا