واجعل البيعة والقصد سر جميعا مستراحا لا كمن يمزح بالشهرة والخلع مزاحا أو دع الشهرة والزم كل من يهوى الصلاحا والزم الجمعة والبكرة فيها والرواحا (62) وانطلق هذا الشاعر وأمثاله في الكوفة والبصرة والحيرة والشام وغير ذلك من البلاد يدعون في أشعارهم إلى شرب الخمر في جو نصراني خالص. عندما تقرع النواقيس في الأديرة. وعندما يأخذ القساوسة والشمامسة في تراتيلهم الدينية على أنغام (الأرغن) الناعمة الحالمة (63) وكثرت جماعات المجون وعصابات السوء. ودوت معزوفات ضخمة. اشترك فيها مجموعات هائلة من العزاف.
وعلى الجسر الذي يصل الشاطئين الأموي والعباسي. أخذت جماعات من المجان والخلعاء تمر فوقه. مخلفة وراءها الفضيلة التي صرعت على مذابح اللهو والمجون والخلاعة. لتستقبل على الشاطئ الآخر الرذيلة وقد تجردت من ثيابها جميعا. وبسطت ذراعيها إلى أقصاهما. لتضم إلى أحضانها هؤلاء الوافدين من طلابها. وتبلغ الغواية مداها. ويتساقط الشباب تساقط الفراش المتهافت على النار. وكلما اشتدت ظلمة الهاوية زاد عدد المتخبطين فيها. وفي أعماقها السحيقة مضت جماعات من الشعراء تضرب على غير هدى. وقد ألف اللهو بينهم. وربط المجون بين أسبابهم. كلهم فاسق. وكلهم خليع. وكلهم سكير.. وهذه المدرسة اللاهية. هي التي أرست قواعد غزل النساء وغزل الغلمان. وكلا اللونين لم يكونا تعبيرا عن عاطفة روحية. وإنما كان تعبيرا عن لذة حسية. فالغزل في هذه المدرسة. لم يكن حديث العاطفة وإنما كان حديث الغريزة. ولم يكن نجوى الروح وإنما كان نداء الجسد. وعلى بناء هذه المدرسة كثرت طائفة الجواري والمغنيات في المجتمع الإسلامي. وعلى أكتاف هذه المدرسة انتشرت الزندقة ودقت أوتادها. وراج شعر الأديرة (64).