والإنتفاضة الثانية: كانت عاصفة في عالم من السكون فعثمان كان محاصرا. على الرغم من وجود أكثر الصحابة في المدينة. وليس معنى هذا أن سكان المدينة كانوا من الضعف بحيث لا يستطيعون التصدي لحفنة قطعت طريقا طويلا من مصر إلى المدينة. وضمت إيها حفنة أخرى من هنا أو هناك. ولكن السكون كان له ما يبرره.
أولا. لم يكن في السياسة ما يشجع للدفاع عنها. وهذه السياسة قام بتعريتها أبو ذر الغفاري حين فضح معاوية في الشام وعندما رده معاوية إلى عثمان قام الأخير بنفيه إلى الربذة. وهذا الحدث ثابت في كتب التواريخ والسير وغيرها.
ثانيا: إن السيدة عائشة أدلت بدلوها في الأحداث وأصدرت فتوى مبكرة في قتل عثمان وقالت: (اقتلوا نعثلا فقد كفر).
ثالثا. كان هناك من الولاة من يهمه انقلاب الأوضاع طمعا في التهام قطعة من أرض الأمة. فعمرو بن العاص على سبيل المثال يذكر. ابن سعد بأسانيده. أن عثمان لما عزله عن مصر قدم إلى المدينة فجعل يطعن على عثمان فبلغ عثمان.
فزجره فخرج إلى أرض فلسطين فأقام بها (67): فهذه العوامل. أي السياسة الخطأ وشحن ابن العاص لأهل المدينة. وفتوى السيدة عائشة كل هذه عوامل تبرر هذا السكون الذي يرفع راية السلبية وأكبر رأس في الدولة محاصر، ويضاف إلى هذا معاوية. لقد روي أنه كان بالمدينة في أوائل الأحداث وعلم أن هناك خطورة على عثمان ومع ذلك لم نرى على امتداد الأحداث أن معاوية جاء بجيش جرار للدفاع عن رأس الأمويين. حتى أمراء الأجناد في المدينة وما حولها لم تر لجيادهم غبار. فإن دل هذا على شئ فإنما يدل على اتفاق يقضي بالتضحية بثمرة لامتلاك بستان فيه كثير من الثمر. فالأمراء من بني أمية والذهب في أيديهم وسحق القوى المعارضة مضمون. وعن مثل هذه الأنماط البشرية يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. " كان في بني إسرائيل جدي في غنم كثيرة ترضعه أمه. فانفلت فرضع الغنم كلها. ثم لم يشبع. فبلغ ذلك نبيهم. فقال: إن هذا