لقد وضعت الفطرة أمام الصفحة البيضاء وعلى امتداد الرسالة الخاتمة.
ولكن أعداء الحياة أعداء الفطرة عندما يئسوا من إحداث شرخ في جدار الشريعة نظرا لعظمة النص وبلاغته وقوة حجته. حالوا على امتداد التاريخ فصل المسلمين عن الإسلام. فبعيدا عن الإسلام يسهل عليهم نزالهم نظرا لتجريدهم من القوة التي عليها يرتكزون: ولقد ساعدهم في ذلك طابور النفاق في القديم وفي الحديث. فقديما كان يجلس داخل سور الأمة من يحب الدنيا ومن يحب الآخرة. فالذي يحب الدنيا عمل من أجلها. وقاده عمله إلى دائرة كفران النعمة التي عليها يترتب سلب الله لهذه النعمة والذي أحب الآخرة عمل من أجلها وقاده عمله إلى حوض النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم القيامة حيث النعيم وجرعة ماء لا يظمأ بعدها أبدا. وهذا المشهد يصوره ويجسده حديث شريف يقول فيه النبي: - (ليردن على الحوض رجال ممن صاحبني. حتى إذا رأيتهم ورفعوا إلي اختلجوا دوني. فلأقولن: أي رب. أصيحابي أصيحابي. فليقولن لي. إنك لا تدري بما أحدثوا بعدك " (281) وفي حديث رواه البخاري قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (أنا فرطكم على الحوض. ليرفعن إلي رجال منكم. حتى إذا أهويت لأناولهم. اختلجوا دوني. فأقول: أي رب أصحابي.
يقول: لا تدري ما أحدثوا بعدك " (283) وفي رواية عند البخاري: " أنا على حوضي أنتظر من يرد علي. فسيؤخذ بناس من دوني. فأقول: أمتي. فيقول:
لا تدري! مشوا على القهقري " (283) وعنده أيضا عن سهل قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنا فرطكم على الحوض. من ورده شرب منه. ومن شرب منه لم يظمأ بعده أبدا. ليرد علي أقوام أعرفهم ويعرفوني. ثم يحال بيني وبينهم " (284) وفي رواية عند البخاري وابن ماجة. (يرد علي يوم القيامة رهط من أصحابي. فيحلون على الحوض. فأقول: أي رب، أصحابي. فيقول: إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك. إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقري " (285)