الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ١٦٤
النكبة الشاملة التي تحيط بالصالح والطالح والمطفف والذي يوفي المكيال والميزان على حد سواء. ويصبح بذلك اجتماعهم اجتماعا على المكر وإفساد الحياة، لا اجتماعا على التعاون لسعادتها قال تعالى: (وأوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم ذلك خير وأحسن تأويلا) (8).
فشعيب عليه السلام جاء لقوم احترفوا الفساد، وركبوا التجارة وساروا بها في اتجاه النكبة الشاملة التي تحيط بالصالح والطالح، وذلك لأن جشعهم امتد إلى غد الإنسان. فهم سرقوه في يومه، والذي سرق منه جزء يقيم صلبه، ولكي يسترده لا بد له من أن يضاعف من عمله كي يأتي بالثمن، وعندما يذهب ليشتري ما يقيم صلبه، يدفعه أهل الطمع والجشع والاحتكار إلى يوم آخر يتعب فيه ليس من أجل نفسه ولكن من أجلهم، ومع اللهب يأتي الفساد ويسود الاضطراب وترفع أعلام العسف والطغيان، وتفقد الإنسانية إنسانيتها، وشعيب عليه السلام جاء إليهم بمشعل الهدى الذي به يقيمون المجتمع الصالح الذي يعرف الإنسان فيه ما له وما عليه، وبين لهم أن القضية لم تكن يوما من أجل أن يمتلك هذا أو ذاك المال الوفير، لأن العلل والأسباب في كون الله لا تسمح لأحد من إنقاذ ثروته إذا جاء أمر الله.
* - مواجهة الانحراف:
يقول تعالى: (وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ولا تنقصوا المكيال والميزان إني أراكم بخير وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط * ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين * بقية الخير لكم إن كنتم مؤمنين وما أنا عليكم بحفيظ) (9).
قال المفسرون: يقول تعالى ولقد أرسلنا إلى مدين، وهم قبيلة من العرب كانوا يسكنون بين الحجاز والشام. قريبا من معان. بلاد تعرف بهم يقال لها

(8) سورة الإسراء، الآية: 35.
(9) سورة هود، الآيات: 84 - 86.
(١٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 159 160 161 162 163 164 165 166 167 168 169 ... » »»
الفهرست