وشعيب عليه السلام بعث في قوم يعملون كأحرار. كان منهم من يعمل بالزراعة، فيتعامل مع الحبوب معاملة اللص. يبذرها في أرض الله. ليس من أجل أن يفيض الخير ويعم الناس الرخاء، ولكن من أجل أن يسرع الخطى إلى مزيد من المال ليشيد بها أصنام الهوى داخل نفسه. وكان منهم من يعمل بالتجارة فيتعاملوا مع الثمار معاملة قطاع الطرق الذين لا يخشون من اللصوص في أي موقع كانوا، فهم يسرقون وفي نفس الوقت في جيوبهم دليل براءتهم. ومجتمع مثل هذا لا يتاجر إلا في القوت، ومتاجرته هذه لا تشيع إلا الفساد.. لا يمكن بحال أن يكون مجتمعا مستقيما مع فطرة الكون. ولكن يعود هذا المجتمع إلى رحاب الفطرة التي تدعو لإقامة مجتمع لا يفعل فيه الإنسان ما يشاء ويحكم ما يريد. بث شعيب عليه السلام دعوته في عالم عبد الأصنام ونقص الكيل والميزان فأفسد في الأرض. يقول صاحب الميزان: إن الاجتماع المدني الدائر بين أفراد النوع الإنساني مبني على المبادلة حقيقة، فما من مواصلة ومرابطة بين فردين من أفراد النوع، إلا وفيه إعطاء وأخذ، فلا يزال المجتمعون يتعاونون في شؤون حياتهم، يفيد فيه الواحد غيره ليستفيد منه ما يماثله أو يزيد عليه، ويدفع إليه نفعا ليجذب منه إلى نفسه نفعا، وهو المعاملة والمبادلة، ومن أظهر مصاديق هذه المبادلة:
المعاملات المالية، وخاصة في الأمتعة التي لها حجم أو وزن مما يكتال به أو يوزن، فإن ذلك من أقدم ما تنبه الإنسان لوجوب إجراء سنة المبادلة فيه.
فالمعاملات المالية وخاصة البيع والشراء من أركان حياة الإنسان الاجتماعية، فالإنسان يقدر ما يحتاج إليه في حياته الضرورية بالكيل أو الوزن، وما يجب عليه أن يبذله في مقابلة من الثمن. ثم يسير في حياته بانيا لها على هذا التقدير والتدبير، فإذا خانه الذي يعامله ونقص المكيال والميزان من حيث لا يشعر هو، يكون بذلك قد أفسد تدبيره وأبطل تقديره، ويختل بذلك نظام معيشته من الجهتين معا. من جهة ما يقتنيه من لوازم الحياة بالاشتراء. ومن جهة ما يبذله من الثمن الزائد الذي يتعب نفسه في تحصيله بالاكتساب. فيسلب بهذا إصابة النظر وحسن التدبير في حياته. ويتخبط في حياته خبط العشواء وهو الفساد، وإذا شاع ذلك في مجتمع. فقد شاع الفساد فيما بينهم. ولم يلبثوا دون أن يسلبوا الوثوق والاطمئنان واعتماد بعضهم على بعض. ويرتحل بذلك الأمن العام من بينهم وهو