الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ١٦٧
الواسعة، ليبيعوها إلى الناس ليسلبوا منهم كل قرش وكل حبة عرق وكل نفس، ليحل الشقاء بأي إنسان ولتظل جيوبهم منتفخة وبطونهم منتفخة وعقولهم أيضا (قالوا يا شعيب أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء إنك لأنت الحليم الرشيد) (15) قال في الميزان: مغزى مرادهم: إنا في حرية فيما نختاره لأنفسنا من دين، أو نتصرف به في أموالنا، ولست تأمرنا بكل ما أحببت، أو تنهانا عن كل ما كرهت. فإن ساءك شئ مما تشاهد منا بما تصلي وتتقرب إلى ربك. وأردت أن تأمر وتنهى. فلا تتعد نفسك. لأنك لا تملك إلا إياها.. وقد أدوا مرادهم هذا في صورة مشوبة بالتهكم واللوم معا، ومسبوكة في قالب الاستفهام الإنكاري وهو: إن الذي تريده منا من ترك عبادة الأصنام. وترك ما شئنا من التصرف في أموالنا. هو الذي بعثتك إليه صلاتك. ولست تملكنا أنت ولا صلاتك. لأننا أحرار في شعورنا لإرادتنا، لنا أن نختار أي دين شئنا، ونتصرف في أموالنا أي تصرف أردنا من غير حجر ولا منع، ولم ننتحل إلا ديننا، الذي هو دين آبائنا. ولم نتصرف إلا في أموالنا. ولا حجر على ذي مال في ماله. فما معنى أن تأمرك إياك صلاتك بشئ، ونكون نحن الممتثلون لما أمرتك به؟ وبعبارة أخرى: ما معنى أن تأمرك صلاتك بفعلنا القائم بنا دونك؟ فهل هذا إلا سفها في الرأي؟ وإنك لأنت الرشيد والحليم. لا يعجل في زجر من يراه مسيئا. وانتقام من يراه مجرما. حتى ينجلي له وجه الصواب. والرشيد لا يقدم على أمر فيه غي وضلال فكيف أقدمت على مثل هذا الأمر السفهي. الذي لا صورة له إلا الجهالة والغي؟
وقد ظهر بهذا البيان:
أولا: أنهم إنما نسبوا الأمر إلى الصلاة. لما فيها من البعث والدعوة إلى معارضة القوم في عبادتهم الأصنام ونقصهم المكيال والميزان. وهذا هو السر في تعبيرهم عن ذلك بقولهم: (أصلاتك تأمرك أن نترك..) دون أن يقولوا:
أصلاتك تنهاك أن نعبد ما يعبد آباؤنا؟ مع أن التعبير عن المنع بالنهي عن الفعل أقرب إلى الطبع من التعبير بالأمر بالترك، ولذلك عبر عنه شعيب بالنهي فيما بعد

(15) سورة هود، الآية: 87.
(١٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 162 163 164 165 166 167 168 169 170 171 172 ... » »»
الفهرست