الله سبحانه بعلل وأسباب كونية تحيط به من جميع الجهات، لا حرية له أمامها، والإنسان أمام هذه العلل والأسباب الكونية لا يأخذ إلا ما أذنت فيه هذه العلل والأسباب، وليس كل ما أحبه الإنسان وأراده بواقع، ولا هو في كل ما اختاره لنفسه بموفق له، ولكي يستقر المجتمع الذي شيده الإنسان على الأرض، لا بد وأن يستقيم مع خط هذه العلل والأسباب حتى لا يحدث التصادم، والاستقامة مع خط العلل لا يكون إلا بالخضوع التام لخالق العلل والأسباب وخالق الإنسان والأرض، وخالق العلل والأسباب التي تحيط بالإنسان من جميع الجهات ولا حرية له أمامها لأنها تملكه وتحيط به. هو الله تعالى. فهو سبحانه الحاكم على الإطلاق والمطاع من غير قيد وشرط. والله تعالى كما ذكرنا فطر الإنسان على الاجتماع، فالإنسان مدني بطبعه، وما دام هناك مجتمع فلا بد أن يكون هناك قانون، لأن المجتمع لا يقوم له صلب دون أن يجري فيه سنن وقوانين يتسلمها الأفراد، فأفراد بلا قانون لا يقيمون مجتمعا، وعدم إقامة المجتمع يكون خروجا عن الفطرة، لأن الفطرة تدعو لإقامة مجتمع إنساني يكون الإنسان فيه خليفة في الأرض، وإذا حدث وأقيم مجتمع ما على قانون يستند على أهواء أفراده. فإن هذا أيضا يكون خروجا عن الفطرة، لأن الأفراد الذين يضعون القانون لا حرية لهم أمام العلل والأسباب الكونية التي تحيط بهم من جميع الجهات. فكيف يضع العاجز قانونا يحمي به الأفراد في حين أنه لا يملك حماية نفسه إن الاجتماع لا يتم إلا بقانون من أخذ به نزلت عليه بركات من السماء ومن خرج عليه أحاطت به النكبات والمعيشة الضنك من كل الاتجاهات. والاجتماع لا يتم من الفرد إلا بإعطائه للأفراد المتعاونين له حقوقا متقابلة محترمة عنده، ليعطوه بإزائها حقوقا يحترمونها، وذلك بأن يعمل للناس كما يعملون له، وينفعهم بمقدار ما ينتفع بهم، والاجتماع لا يتم إلا بوضع حدود وعلامات، فليس للإنسان أن ينطلق ويسترسل في العمل على حساب الآخرين، وليس له أن يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، بل هو حر فيما لا يزاحم حرية الآخرين (7) بهذا وبغيره يقوم المجتمع. ولا يوجد قانون ينظم العلاقة بين الإنسان وأخيه الإنسان وبين الإنسان والطبيعة من جهة أخرى إلا قانون خالق الإنسان والطبيعة سبحانه وتعالى.
(١٦٢)