فلما وصل المكان شم رائحة، ما شم مثلها من قبل، ولما سأل العطار عن هذه الرائحة أخبره أنه لم يشم مثلها من قبل، ثم جعلا علامة على القبر الشريف، فلما قتل الخليفة المتوكل بيد ابنه المنتصر في شوال عام 247 ه، اجتمع مع جماعة من الشيعة والطالبيين، وأخرجوا تلك العلامات، وبنوا القبر الشريف من جديد، وكان المنتصر بالله (247 - 248 ه) قليل الظلم، محسنا إلى العلويين، وصولا لهم، أزال عن آل أبي طالب ما كانوا فيه من الخوف والمحنة، بمنعهم من زيارة قبر الحسين، ورد على آل الحسين " فدك " فقال يزيد المهلبي في ذلك:
ولقد بررت الطالبية بعدما * ذموا زمانا بعدها وزمانا ورددت ألفة هاشم فرأيتهم * بعد العداوة بينهم إخوانا ويضيف المسعودي أنه في خلافة المنتصر أمن الناس، وكف عن آل أبي طالب، ولم يمتنع أحد من زيارة قبر الإمام الحسين، أو قبر أبيه الإمام علي، وروى ابن كثير عن ابن الكلبي: أن الماء لما أجري على قبر الحسين، بمحو أثره، نضب الماء بعد أربعين يوما، فجاء أعرابي من بني أسد، فجعل يأخذ قبضة ويشمها حتى وقع على قبر الحسين فبكى، وقال: بأبي وأمي، ما أطيبك، وأطيب تربتك، ثم أنشد يقول: - أرادوا أن يخفوا قبره عن عدوه * فطيب تراب القبر دل على القبر وأما الخليفة المتوكل، فلقد لقي جزاء عدائه لآل البيت الطاهرين، فلم تمض سنون حتى لقي مصرعه في ثالث أيام عيد الفطر عام 247 ه (861 م)، وهو في لهوه وشرابه بين ندمائه ومغنياته، وعلى يد أقرب الناس إليه، ولده " المنتصر بالله " (247 - 248 ه)، الذي أمن الناس، وكف أذاه عن آل أبي طالب - كما أشرنا آنفا - وفي ذلك يقول البحتري من أبيات له:
وإن عليا لأولى بكم * وأزكى يدا عندكم من عمر