لقد فاخرتنا من قريش عصابة * بمط خدود وامتداد أصابع فلما تنازعنا المقال قضي لنا * عليهم بما نهوى نداء الصوامع ترانا سكوتا والشهيد بفضلنا * عليهم جهير الصوت في كل جامع فإن رسول الله أحمد جدنا * ونحن بنوه كالنجوم الطوالع فقال له المتوكل: وما نداء الصوامع يا أبا الحسن؟ قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله (1).
وفي رواية الحافظ ابن كثير: وكان أبو الحسن علي الهادي: عابدا زاهدا، نقله المتوكل إلى سامراء فأقام بها أزيد من عشرين سنة بأشهر، ومات بها سنة 254 ه وقد ذكر للمتوكل أن بمنزله سلاحا وكتبا كثيرة من الناس، فبعث كبسه، فوجده جالسا مستقبل القبلة، وعليه مدرعة من صوف، وهو على التراب، ليس دونه حائل، فأخذوه كذلك، فحملوه إلى المتوكل، وهو على شرابه، فلما مثل بين يديه أجله وأعظمه، وأجلسه إلى جانبه، وناوله الكأس الذي في يده، فقال: يا أمير المؤمنين، لم يدخل بطني، ولم يخالط لحمي ودمي قط، فاعفني منه، فأعفاه، ثم قال له: أنشدني شعرا، فأنشده:
باتوا على قلل الجبال تحرسهم * غلب الرجال فما أغنتهم القلل واستنزلوا بعد عز عن معاقلهم * فأودعوا حفرا يا بئس ما نزلوا نادى بهم صارخ من بعد ما قبروا * أين الأسرة والتيجان والحلل أين الوجوه التي كانت منعمة * من دونها تضرب الأستار والكلل فافصح القبر عنهم حين ساءلهم * تلك الوجوه عليها الدود يقتتل قد طال ما أكلوا دهرا وما لبسوا * فأصبحوا بعد طول الأكل قد أكلوا قال: فبكى المتوكل، حتى بل الثرى، وبكى من حوله بحضرته، وأمر