وهو ابن أربعين (1) لقول الله تعالى (ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما) (2)، ولقوله تعالى (ولما بلغ أشده واستوى آتيناه حكما وعلما) (3) على أن العلماء مختلفون في معنى " الحكم " هنا في قول الله تعالى:
(وآتيناه الحكم صبيا) وغيرها، فمن قائل إنها بمعنى الحكمة، وهي الفهم في التوراة والفقه في الدين، قال الإمام الطبري في التفسير: المعنى أعطيناه الفهم لكتاب الله في حال صباه، قبل بلوغه أسنان الرجال، ومن قائل إنها بمعنى العقل والفراسة الصادقة، ومن قائل: إنها النبوة، وعليه كثير، قالوا: أوتيها وهو ابن ثلاثين، وقيل وهو ابن سبع سنين، أو ابن اثنتين، ولم يتنبأ أكثر الأنبياء عليهم السلام، قبل الأربعين، وإن رأى البعض أن الحكم هنا، ليس بمعنى النبوة، فهي على سن الأربعين، وإنما المراد الفهم والفقه في الدين، وهو غير الحكمة المفسرة بالنبوة، كما في آية البقرة، التي جاءت في حق داود عليه السلام (4)، يقول الله تعالى: (وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء) (5).
هذا ويرجح الإمام الفخر الرازي في التفسير الكبير، أنها النبوة، ذلك لأن الله تعالى قد أحكم عقله (أي سيدنا يحيى عليه السلام) في صباه، وأوحى إليه، وذلك لأن الله تعالى بعث يحيى وعيسى، عليهما السلام، وهما صبيان، - لا كما بعث موسى ومحمدا عليهما السلام، وقد بلغا الأشد - والأقرب حمل الحكم على النبوة لوجهين: