الأول: أن الله تعالى ذكر في هذه الآية (وآتيناه الحكم صبيا) صفات شرفه ومنقبته، ومعلوم أن النبوة أشرف صفات الإنسان، فذكرها في معرض المدح أولى من ذكر غيرها، فوجب أن تكون نبوته مذكورة في هذه الآية، ولا لفظ يصلح للدلالة على النبوة، إلا هذه اللفظة، فوجب حملها عليها.
والثاني: أن الحكم: هو ما يصلح لأن يحكم به على غيره ولغيره على الإطلاق، وذلك لا يكون إلا " بالنبوة "، فإن قيل كيف يعقل حصول العقل والفطنة والنبوة حال الصبا؟
قلنا هذا السائل: إما أن يمنع من خرق العادة أو لا يمنع، فإن منع منه فقد سد باب النبوات، لأن النبوة بناء الأمر فيها على المعجزات، ولا معنى لها إلا خرق العادات، وإن لم يمنع فقد زال هذا الاستبعاد، فإنه ليس استبعاد صيرورة الصبي عاقلا، أشد من استبعاد انشقاق القمر، وانفلاق البحر (1).
وأما بالنسبة لصغر سن الإمام الجواد: فيروي الكليني بسنده عن محمد بن خلاد قال: سمعت الرضا يقول: ما حاجتكم إلى ذلك، هذا أبو جعفر (الجواد) قد أجلسته مجلسي، وصيرته مكاني، وقال: إنا أهل بيت يتوارث أصاغرنا عن أكابرنا، القذة بالقذة.
وروى الكليني بسنده عن ابن قياما الواسطي قال: دخلت على علي بن موسى (الرضا) فقلت له: أيكون إمامان؟ فقال: لا، إلا وأحدهما صامت، فقلت له: هو ذا أنت ليس لك صامت - ولم يكن ولد أبو جعفر (الجواد) بعد - فقال لي: والله ليجعلن الله مني ما يثبت به الحق وأهله، ويمحق به الباطل وأهله، فولد له بعد سنة أبو جعفر، وكان " ابن قياما " واقفيا.
وعن صفوان بن يحيى قال: قلت للرضا: قد كنا نسألك قبل أن يهب لك