فقال لي: يا هرثمة، إنه قد دنا رحيلي، ولحوقي بآبائي وأجدادي، وقد بلغ الكتاب أجله، وإني أطعم عنبا ورمانا مفتونا فأموت، ويقصد الخليفة أن يجعل قبري خلف قبر أبيه هارون الرشيد، وإن الله يقدره على ذلك، وإن الأرض تشتد عليهم، فلا تعمل فيها المعاول، ولا يستطيعون حفرها، فاعلم يا هرثمة أن مدفني في الجهة الفلانية من اللحد الفلاني، لموضع عينته، فإذا أنا مت وجهزت، فاعلمه بجميع ما قلت لك، لتكون على بصيرة من أمري.
وقال أنا إذا وضعت في نعشي، وأرادوا الصلاة علي، فلا يصلى علي، وليتأن قليلا، يأتكم رجل عربي، على ناقة مسرع من جهة الصحراء، فينيخ ناقته، وينزل عنها، ويصلي علي فصلوا معه علي، وإذا فرغتم من الصلاة علي، وحملت إلى مدفني، الذي عينته لك، فاحفر شيئا يسيرا من وجه الأرض، تجد قبرا مطبقا معمورا، في قعر ماء أبيض، فإذا كشفت عنه الطبقات نضب الماء، فهذا مدفني، فادفنوني فيه، الله الله يا هرثمة أن تخبر أحدا بهذا.
قال هرثمة: فوالله ما طالت أيامه، حتى أكل الرضا عند الخليفة عنبا ورمانا، فمات.
وعن أبي الصلت الهروي قال: دخلت على الإمام علي الرضا، وقد خرج من عند المأمون، فقال: يا أبا الصلت، قد فعلوها، وجعل يوحد الله ويمجده، فأقام يومين، ومات في اليوم الثالث.
قال هرثمة: فدخلت على الخليفة المأمون، لما بلغه موت أبي الحسن علي الرضا، فوجدت المنديل بيده، وهو يبكي عليه، فقلت: يا أمير المؤمنين أتأذن لي أن أقول لك، قال: قل، فقصصت القصة عليه، التي قالها لي الرضا من أولها إلى آخرها، فتعجب المأمون من ذلك.
ثم إنه أمر بتجهيزه وخرجنا بجنازته إلى المصلى، وأخرنا الصلاة عليه قليلا، فإذا بالرجل العربي قد أقبل على بعيره من جهة الصحراء، كما قال،