ثم أقام في " مرو " مدة، فتجهزت قافلة تريد العراق، فتجهز " دعبل " في صحبتها، فخرجت عليهم اللصوص في الطريق، ونهبوا القافلة عن آخرها، وأمسكوا جماعة من جملتهم الشاعر " دعبل الخزاعي " فكتفوهم وأخذوا ما معهم، فساروا بهم غير بعيد، ثم جلسوا يقسمون أموالهم، فتمثل مقدم اللصوص بقول دعبل:
أرى فيئهم في غيرهم متقسما * وأيديهم من فيئهم صفرات ودعبل يسمعه، فقال: أتعرف هذا البيت لمن؟ قال: وكيف لا أعرفه؟ هو لرجل من خزاعة، يقال له " دعبل " شاعر أهل البيت، قاله في قصيدة مدحهم بها، فقال دعبل: أنا والله هو صاحب هذه القصيدة وقائلهم، فقال، ويلك، أنظر ما تقول، فقال: والله، الأمر أشهر من ذلك، واسأل أهل القافلة: وهؤلاء الممسكين معكم يخبرونكم بذلك، فسألوهم فقالوا بأسرهم: هذا دعبل الخزاعي، شاعر أهل البيت المعروف الموصوف، ثم إن دعبلا أنشدهم القصيدة من أولها إلى آخرها، عن ظهر قلب، فقالوا: قد وجب حقك علينا، وقد أطلقنا القافلة، ورددنا جميع ما أخذناه منها، كرامة لك يا شاعر أهل البيت.
ثم إنهم أخذوا دعبلا معهم، وتوجهوا به إلى " قم " ووصلوه بمال، وسألوه في بيع الجبة التي أعطاها له الإمام أبو الحسن على الرضا، ودفعوا له فيها ألف دينار، فقال: والله لا أبيعها، وإنما أخذتها للتبرك من أثره.
ثم ارتحل عنهم من " قم " بعد ثلاثة أيام، فلما صار خارج البلد، على نحو ثلاثة أميال (حوالي 5 كيلا)، خرج عليه قوم من أحداثهم، فأخذوا الجبة منه، فرجع إلى " قم " وأخبر كبارهم بذلك، فأخذوا الجبة منهم وردوها عليه.
ثم قالوا: نخشى أن تؤخذ هذه الجبة منك، ويأخذها غيرنا، ثم لا ترجع عليك، فبالله، إلا ما أخذت الألف منا وتركتها، فأخذ الألف منهم، وأعطاهم، الجبة، ثم ارتحل عنهم.