في مرضه الذي مات فيه، دعا عثمان بن عفان - وهو يومئذ كاتبه - فقال له:
أكتب، قال: ما كتب؟ قال: أكتب، هذا ما عهد أبو بكر، خليفة رسول الله، آخر عهده بالدنيا، وأول عهده بالآخرة، أني أستخلف عليكم، ثم رهقته عينه فنام، فكتب: عمر بن الخطاب، ثم استيقظ أبو بكر فقال: هل كتبت شيئا "؟
قال: نعم، كتبت عمر بن الخطاب، فقال: أما إنك لو كتبت نفسك، لكنت لها أهلا "، ولكن اكتب: استخلفت عليكم عمر بن الخطاب، فإن بر وعدل، فذلك ظني به، وإن بدل أو غير، فلا علم لي بالغيب، والخير أردت بكم، ولكل امرئ ما اكتسب من الإثم، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
ثم دخل عليه عمر فعرفه ذلك، فأبى أن يقبل، فتهدده أبو بكر، رضي الله عنه، وقال: هاتوا سيفي، فقبل، ثم خرج عمر من عنده فدخل عليه طلحة، فبكى ولامه على تولية عمر، فانتهره أبو بكر، وقال: والله إن عمر خير لكم، وأنتم شر له، أتيتني وقد وكفت عينك تريد أن تصدني عن ديني، وتردني عن رأيي قم لا أقام الله رجلك (1).
هذا وقد اشترط العلماء لصحة الإمامة بالعهد شرطين: أحدهما أن يكون المعهود إليه مستجمعا " لشرائط الإمامة في وقت العهد، حتى لو كان المعهود إليه صغيرا "، أو فاسقا " عند العهد، بالغا " عدلا " عند موت العاهد، لم يصر بذلك العهد إماما "، بل لا بد من مبايعة أهل الحل والعقد له بالخلافة.
وأما الشرط الثاني فهو أن يقبل المعهود إليه العهد، فلو امتنع المعهود إليه من القبول بويع غيره، وكأنه لا عهد.