إمرة، وإنه لا بد للناس من أمير - بر أو فاجر - يعمل في إمرته المؤمن، ويستمتع فيها الكافر، ويبلغ الله فيها الأجل، ويجمع به الفئ، ويقاتل به العدو، وتؤمن به السبل، ويؤخذ به للضعيف من القوي، حتى يستريح بر، أو يستراح من فاجر (1).
وهكذا أثبت الإمام علي - رضي الله عنه، وكرم الله وجهه في الجنة - وجوب الإمامة، تلك القضية التي تشغل أول الأبحاث في النظريات السياسية في الفكر الإسلامي، ولقد سبق أن اختلف المسلمون يوم السقيفة حول شخص من يخلف الرسول صلى الله صلى الله عليه وسلم فبحثوا في الإمامة، وجعلوها محور تفكيرهم السياسي، ثم أثار الخوارج التشكيك في ضرورة وجود الإمام، فالتفت معظم فرق المسلمين عند القول بوجوب وجود الإمام في بداية أبحاثهم السياسية (2).
علي أن الخوارج إنما يمثلون - من ناحية أخرى - جموح الهوى، وغلو الاجتهاد في الرأي، ثم سرعان ما تنعزل هذه الفرقة عن الناس، وتتخذ لها جبهة خاصة بها، فتنحرف عما عليه جماعة المسلمين، وحتى يحملها العناد والشقاق، على أن تشتط، وتمعن في الشطط، وإذا هي خارج دائرة الإسلام، تستحل دماء المسلمين، وتستبيح أموالهم وأعراضهم، دونما تقية أو حرج، وكانوا يلقون الواحد من المسلمين فيسألونه: ألم يكن قبول التحكيم كفرا "؟ ألم يأثم علي بقبول التحكيم؟ ألسنا في حل من طاعته وبيعته حتى يقر بإثمه ويتوب؟ فإن أجاب المسؤول بنعم، تركوه ينجوه، وإن أجاب بلا، سفكوا دمه، وأزهقوا روحه.
وروى البخاري في صحيحه (3) (كتاب بدء الخلق - باب علامات النبوة في الإسلام) بسنده عن أبي سعيد الخدري قال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يقسم قسما "، أتاه ذي الخويصرة، وهو رجل من بني تميم، فقال: يا